الخطاب الموجه من فخامة رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا “. صدق الله العظيم.. والصلاة والسلام على من بعثه الله نبياً خاتماً ورسولاً.
الأخوة المؤمنون… الأخوات المؤمنات..
في غمرة المشاعر الإيمانية العظيمة التي ينبض بها قلب كل مؤمن ومؤمنة في العالم قاطبة وتتوهج بها الرحاب المقدسة في هذا اليوم الأغر من أيام الله الجليلة المعظمة يوم الوقوف بعرفات الله.. يسعدني أن أتوجه إليكم في كل أرجاء المعمورة وإلى إخواننا وأخواتنا ضيوف الرحمن الذين تحقق لهم الفوز العظيم والفضل الكبير بأداء فريضة الحج في هذا العام بأصدق التهاني القلبية وأخلص التبريكات بحلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله على أمتنا العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، وأن يتحقق لضيوف الحرمين كل ما شدّوا من أجله وإليه الرحال من حج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور وعفو وكرم ورحمة من الله وذلك هو جزاء المحسنين والصالحين.
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل الجهاد حج مبرور” صدق رسول الله.
الأخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات..
إن رحلة أداء فريضة الحج حافلة بثمار الخير والفائدة والمنفعة التي تعود على المسلم وأمته على حد سواء وتضيف رصيداً جديداً إلى ميزان الحسنات، لأنها إقامة لركن هام من أركان الإسلام، وتعزز صلة الإنسان المسلم بأقدس بقاع الأرض حيث بيت الله العتيق الذي يتوجه إليه كل المسلمين في صلاتهم عدة مرات كل يوم، وحيث مهبط الوحي وتشكل المنابع الأولى لحركة التاريخ الإسلامي المشرق الذي هو تاريخ اكتمال الرسالات السماوية بالدين الإسلامي الحنيف وتجسيد الإيمان الحق بالوحدانية لله سبحانه وتعالى وبعزة وكرامة الإنسان والانتصار لحقوقه في الحرية والإخاء والمساواة وإقامة العدل بين الناس.. وهي القيم التي شهدت أروع التطبيقات لها تأسيساً من المدينة المنورة ووصولاً إلى مكة المكرمة وانطلاقاً منها إلى كل جهات الأرض.. ولقد كانت الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والسلوك العقيدي الصحيح هي السبيل الأمثل لذلكم الذيوع والانتشار الذي حققه الدين الإسلامي الحنيف بعد أن شهدت تلك الرحاب المقدسة التي تمتد بين مكة والمدينة والتي ربطت بينهما بنسيج روحي خالد إشعاعات الهجرة النبوية الشريفة.. كما نسجت عروتها السامية بين السماء والارض عملية التنزيل للقرآن الكريم، والتي أثمرت الصورة الواضحة النقية للدين الاسلامي الحنيف عقيدة ايمانية مُبسّطة لا تعتريها التعقيدات أو التطرف والغلو وحضارة إنسانية راقية تقوم على قيم العدل والحرية والإخاء والمساواة والسلام والتعارف والتعاون والتعايش بين كافة أبناء البشرية شعوباً وأمماً.
الأخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات..
إن المشهد التعبدي الحاشد البالغ الروعة والقداسة الذي تسطع صورته الحية والعظيمة في هذا اليوم في جبل عرفات كجوهر ناصع لفريضة الحج وبلوغاً لذروة الأعمال التعبدية المتصلة بها لَتؤكد لنا وترسخ في أعماقنا جملة من المعاني والدلالات الروحية والحياتية التي تجسد عظمة الإسلام ووحدة الأمة الإسلامية، وحقيقة مكونات ومقومات قوتها الروحية والمادية وحيويتها المستمرة والباقية.. إنها إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.. إنها صورة حياتية وإيمانية راقية صادقة الدلالة على الخضوع والطاعة لله وحده لا شريك له، جليلة التأكيد على الوحدة والقوة والمنعة التي يتعين توظيفها وتسخيرها والتمسك بها في كل ميادين العمل والعبادة والتعاون والتكامل بين كافة أبناء الأمة الإسلامية التي هي جزء لا يتجزأ من مآلهم المحمود في الآخرة.
ولذلك فيه صورة تذكر بمعنى الحشر في يوم لا ظل فيه إلا ظله سبحانه وتعالى ولا ينفع المرء من بعده إلا ما قدمه في حياته لآخرته وصار مثبتاً ومسجلاً في كتابه ومن أجل ذلك تجسد الحج في عقيدة وسلوك المسلمين كرُكن جهادي بالقلب والعقل والمال وحركة الجوارح في البدن وكافة الوسائل المطلوبة في شرط الاستطاعة، ما أحرانا كأبناء أمة واحدة وعقيدة واحدة بالتزود من تلك القيم والمعاني النبيلة التي عبر عنها هذا المشهد الروحاني التعبدي العظيم في رحاب أرض الحرمين الشريفين بما يحفزنا على تجاوز الواقع الراهن الذي تعيشه أمتنا وهو واقع الشتات والفرقة، واقع الوهن والضعف الذي أدى بدوره إلى الهيمنة وسلب حقوق الأمة وانتهاك مقدساتها وتهديد أمنها ومصالحها ووجودها ومستقبلها.
ولهذا فإنه من الواجب على ولاة أمور المسلمين العمل الجاد بإيثار ونكران الذات من أجل وحدة الصف وتعزيز اقتدار الأمة وتأهيلها للانتماء إلى العصر والتأثير في مجريات التطورات والأحداث الجارية وبما يحقق مصالحها ويصون أمنها واستقلالها ويضمن لها المستقبل الأفضل، فأمة الإسلام، بما تمتلكه من مقومات روحية وحضارية وامكانات بشرية وطبيعية، جدير بها أن تنهض من كبوتها وتتبوأ المكان اللائق بها بين الأمم.
يا أبناء امتنا العربية والإسلامية..
إن ما يجري اليوم على أرض فلسطين المحتلة من مآسٍ دامية ومحزنة وما يرتكب بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني الأعزل من أعمال قتل وتنكيل وتجويع وحصار خانق طال حتى القيادات وعلى رأسها المناضل: ياسر عرفات.. إضافة إلى الانتهاك المستمر للحقوق الإنسانية وممارسة الإرهاب وحرب الإبادة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز كل حد، ويمثل السكوت عنه جريمة أخلاقية وإنسانية لا ينبغي لذي ضمير حي أن يتحمل وزرها، وإنه لمن المثير للاستغراب والحيرة إن يُغضَّ الطرف وعلى ذلك النحو المحزن عن كل تلك الممارسات الإرهابية واللا إنسانية التي ترتكبها حكومة شارون كل يوم على مرأى ومسمع من العالم، وأن تتعالى بعض الأصوات من هنا وهناك تطالب الضحية أن يكف عن المقاومة وأن يتوقف عن الدفاع المشروع عن نفسه، بل وأن يستسلم وفي المقابل يحصل الجاني والجلاد على مكافأة تشجعه على الاستمرار في سياسته العدوانية المتطرفة والمقوضة لكل أسس الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
ومثل هذا المنطق المشوه للحقائق والذي يفتقد أبسط أسس العدل والإنصاف لا يمكن أن يحقق سلاماً عادلاً ودائماً أو يهيئ مناخات تشجع على التعايش والاستقرار في المنطقة، ولا بد من التفكير الجاد والواقعي في كيفية الخروج من المأزق الراهن الذي أوجده التطرف الإسرائيلي وسياسة القمع والعنف التي لا يمكن أن تولد إلا عنفاً مضاداً وأجواء مشحونة بالتوتر والصراع الدامي الذي ليس له نهاية، وحان الوقت لأن يدرك الجميع بأن السلام لا يتحقق فعلاً إلا بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي – الإسرائيلي، وفي مقدمتها القراران: (242)و(338) وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في جنوب لبنان وهضبة الجولان.
إن أمن إسرائيل والتعايش معها بسلام مرهون بالإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، كما أنه ينبغي التمييز بين الإرهاب وحق الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع والعادل من أجل الدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل ونيل حريته واستقلاله، ومن الظلم أن يوصف دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه بأنه إرهاب.
الأخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. إن الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي تواجه أمتنا العربية والإسلامية في الوقت الراهن وفي ضوء كافة المتغيرات الدولية وما صاحبها من تعقيدات وتداعيات وبخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي والجهود الدولية المبذولة من أجل مكافحة الإرهاب تستدعي من أبناء الأمة جميعاً قادة وشعوباً أن يكونوا عند مستوى تلك التحديات وقادرين على التأثير الإيجابي في مسار التطورات والمتغيرات المتسارعة من حولهم، ولعل أبرز ما يمكن الوقوف أمامه بتمعن وحكمة هو التصدي الفعال والحازم لتلك المحاولات المستمرة وغير المسؤولة للإساءة إلى الإسلام وتشويه صورته الناصعة ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف به، مستغلة بعض تلك الشوائب التي نبتت على الهوامش هنا أو هناك وفي مراحل وظروف معينة ومعروفة وحسبت ظلماً على الإسلام كدين وأمة وأساءت إليه بتطرفها وغلوها وعدم تفهمها لمبادئ الدين الحنيف وحقائق الحياة.
فالإسلام هو دين الرحمة والتسامح والاعتدال الذي يرفض العنف والتطرف والغلو ويدعو إلى الفضيلة وإلى كل ما فيه الخير والصلاح للمؤمنين ولكل بني البشر:” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. صدق الله العظيم
وما من شك أن ظاهرة الارهاب والتطرف لا تخص ديانة بعينها أو جنسية أو أمة دون أخرى، بل إن المتطرفين والإرهابيين موجودون في كل الديانات والاجناس وفي كل زمان ومكان.. وإنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة إلى ضرورة الحوار والتعايش بين كل الأديان السماوية والحضارات الإنسانية على قاعدة تلك القواسم المشتركة لما فيه خدمة الأمن والسلام والاستقرار وخدمة البشرية ومسيرة نهضتها وتقدمها وحضاراتها، كما ينبغي أن تتعدد السبل والوسائل التي يتم من خلالها القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره وتجفيف منابعه وتطهير العالم من شروره وآثامه، ومن ذلك إزالة كافة الأسباب والمناخات المهينة والمشجعة على التطرف والمؤدية إلى العنف سواء بإيجاد الحلول العادلة والمنصفة للقضايا والمشكلات الإقليمية والدولية أو بدعم برامج التنمية ومكافحة الفقر والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل وبخاصة في الدول الفقيرة والنامية، كما ينبغي الاهتمام بتشجيع تلك القيم الدينية والروحية والأخلاقية والإنسانية التي تحفز على التسامح والتعاون والتفاهم والحوار والتعايش الإيجابي بين الشعوب والأمم وخدمة السلام والحضارة الإنسانية، ولما فيه خير البشرية جمعاء.
يا أبناء أمتنا العربية..
إننا ونحن نقف على أعتاب القمة العربية الاعتيادية المقرر عقدها في بيروت في السابع والعشرين من شهر مارس القادم ندرك بيقين أن التطلعات كبيرة لدى جماهير أمتنا العربية للخروج منها بنتائج وقرارات تتجاوز ما اعتادت عليه في القمم العربية السابقة والوقوف الجاد أمام ما يعتمل في الواقع العربي من تفاعلات وتطورات وما يحيط بالأمة من تحديات ومخاطر.. لقد حان الوقت لأن يقف الجميع بمسؤولية تاريخية وصادقة إزاء ما ينبغي اتخاذه من أجل الخروج من الوضع الراهن الذي لا يسر أحداً، والعمل للانطلاق نحو أفق جديد يتجاوز إحباطات الماضي وعثراته ويستلهم الغد المأمول لأمتنا، فلا مجال للأمة أن تصون مصالحها ووجودها إلا بالتضامن ووحدة الصف بين أبنائها والإدراك الواعي لحقائق العصر ومتغيراته وشروط الانتماء إليه حيث لا مكان للضعفاء والمترددين والمتأخرين عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم ونتطلع بثقة لأن تكون القمة القادمة فرصة مناسبة لمناقشة كافة القضايا التي تهم حاضر ومستقبل أمتنا والخروج منها برؤية مشتركة تحقق المصالح القومية العليا لأمتنا وأن يكون لقاء الأشقاء سبيلاً للمكاشفة والمصالحة التي تخلق قاعدة راسخة من الفهم المشترك والموقف الموحد وبناء علاقات عربية– عربية سليمة.
كما أنه من المهم إعادة النظر في الهيكلة الراهنة للجامعة العربية بين العرب جميعاً وتنشيط دورها لخدمة مصالح الأمة، ونجدد الدعوة لأشقائنا في العراق والكويت إلى السمو فوق كل الجراح وطي صفحة الماضي المؤلمة وإرساء أساس جديد لمستقبل العلاقات بينهما على قاعدة الإخاء والتفاهم واحترام السيادة والوجود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومراعاة حسن الجوار.. مجددين دعوتنا إلى ضرورة وسرعة إنهاء الحصار المفروض على القطر العراقي الشقيق منذ حوالي 11عاماً ووضع حد للمعاناة الإنسانية القاسية التي يعانيها الشعب العراقي نتيجة ذلك الحصار.
كما نؤكد تضامننا ودعمنا لأشقائنا في السودان في كل ما يصون وحدة السودان وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه ورفض التدخل في شؤونه الداخلية.. وإننا في الجمهورية اليمنية- في الوقت الذي نتابع باهتمام كافة التطورات الجارية في منطقة القرن الأفريقي- نؤكد الحرص على دعم كافة الجهود المبذولة من أجل استتاب الأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة عموماً وفي الصومال بشكل خاص، وندعو الأشقاء العرب والمجتمع الدولي إلى اتخاذ المبادرة الكفيلة باستعادة الصومال الشقيق لأمنه واستقراره والحفاظ على سيادته ووحدته.
الأخوة المؤمنين.. الأخوات المؤمنات..
إن مناسبة عيد الأضحى المبارك- وهي تأتي تاكيداً وتعميماً لفرحة المسلمين كلهم بإقامة ركن هام من أركان ديننا الحنيف- تمثل فرصة هامة للتواصل والتراحم والتكافل وللبذل والانفاق والسخاء والتضحية والتنافس في سبيل ترجمة القيم الأخلاقية الإسلامية الرفيعة، كما تدل عليها أضحية العيد ودروسها التاريخية الخالدة والمضيئة في حياة المسلمين، كما هي راسخة في إيمانهم وفي أعمالهم وأدائهم لواجباتهم ومسؤولياتهم تعبيراً عن صدق الوفاء والالتزام وترجمة قيم الفداء والتضحية والبذل والعطاء ونكران الذات التي نجد لها اليوم أصدق صور الممارسة والتطبيق لدى الأخوة الميامين المنتمين إلى المؤسسة الوطنية الكبرى- القوات المسلحة والأمن الذين أتوجه إليهم بصورة خاصة جنوداً وصف وضباط بأصدق التهاني القلبية بهذه المناسبة الدينية الغالية أينما يكونون.. وحيثما يرابطون في كل مواقع أداء الواجب الوطني المقدس وتحمل مسؤولية حراسة الأمن والاستقرار والحفاظ على المكاسب والمنجزات وحماية السيادة مجسدين قيم البذل والعطاء ومثل البطولة والفداء في كل الظروف والأوقات مؤكدين بأن منتسبي هذه المؤسسة الوطنية الكبرى سيكونون دوماً محل الرعاية والاهتمام وفاءً وتقديراً لكل ما أسهموا ويسهمون به من أجل خدمة الوطن والواجب.
فالقوات المسلحة والأمن هي رمز الوحدة الوطنية وصمام أمان المسيرة الوطنية والديمقراطية، ولا مكان فيها أبداً للحزبية والمناطقية والقبلية وغيرها، وسوف تتواصل جهود البناء العلمي والنوعي الحديث لهذه المؤسسة الوطنية الكبرى وتزويدها بكافة التقنيات العسكرية الحديثة وبما يعزز القدرة الدفاعية لبلادنا، ونؤكد على أهمية الانتقال بكافة القرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر السنوي التاسع لقادة القوات المسلحة والمؤتمر السنوي لقيادة وزارة الداخلية إلى واقع التنفيذ الفعلي، وبما يحقق كافة الغايات والأهداف المنشودة في بناء قوات مسلحة وأمن قويين ومتطورين..
ختاماً.. أكرر التهنئة لكم جميعاً.
عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير، ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ، ،