الكلمة الموجهة من الأخ رئيس الجمهورية إلى أبناء الشعب بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة المواطنون الكرام..
يا جماهير شعبنا اليمني المؤمن..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يسعدني أن أهنئكم وكافة أبناء الأمة العربية والإسلامية بحلول شهر رمضان المبارك (الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ).. هذا الشهر الكريم الذي أوجب الله فيه الصوم على المؤمنين بقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صدق الله العظيم.
وشهر رمضان هو الشهر المبارك الذي يحمل معه قيماً عظيمة وفرصاً كبيرة وتهذيباً بالغاً للروح وقرباً من الله تعالى بالعبادات والنجوى.. وهي مناسبة جليلة أيها الأخوة لكل المؤمنين لتقديم أعمال الخير والبر والعطف على الناس والصوم عن الرغبات وأهواء النفس وملذاتها والتطلع إلى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين ففي هذا الشهر المبارك تفتح أبواب الجنات وتغلق أبواب النار وتتضاعف الحسنات ؛ وهي فرصة منحها الله لعباده لمراجعة النفس وتهذيب السلوك بتلك القيم والمعاني العظمية التي يجسدها الصوم في حياة المسلمين كما ورد في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
وهذا فضل كبير من الله على عباده الصائمين حيث وأن الصوم بمفهومه الشامل هو صوم عما يمس الناس بأذى أو ظلم أو فساد في الأرض، وصوم عن الضغينة والكسل وإعاقة المواطنين والمعاملات اليومية.
وإننا لندعو الجميع إلى اتخاذ هذه المدرسة الربانية منطلقاً للعدل بين الناس وإشاعة المحبة والإخاء وعمل الخير وإخراج الصدقات والعطف على المساكين وإذابة الفوارق المادية والمعنوية والتخلص من بواعث النفس البشرية الأمارة بالسوء إجلالاً لقدر هذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن والذي يقول الله تعالى فيه.
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (2) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ المَلائِكَة وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ (5)). صدق الله العظيم.
يا أبناء شعبنا المؤمن الكرام:
إنها لمناسبة روحية طيبة يضطلع فيها كل من موقعه وفي المقدمة أصحاب الفضيلة العلماء وخطباء وأئمة المساجد ببيان فضائل هذا الشهر الكريم وشمائله الأخلاقية والروحية وإحياء رسالة المسجد في الانقطاع إلى الله وحث الناس على البر والتراحم والتواد ودعوة الناس إلى حسن التربية واكتساب الأخلاق الحميدة التي حث عليها ديننا الحنيف.
فالتربية السوية هي أساس بناء المجتمع الصالح الذي تتكامل فيها أدوار الجميع سواء في إطار المسجد أو الأسرة أو المدرسة أو العمل لبناء مجتمع صالح تسوده المحبة والوئام.. وشهر رمضان الكريم بشعائره التعبدية العظيمة ضرورة لتجديد عزيمة الأمة وتجانس مواقفها ويمنحها القدرة على الصبر وترويض النفس على التخلي عن ملذاته ويمنح فرصة للتخلي عن العادات الاستهلاكية والترفيه التي تتجاوز حدود الحاجة الفعلية لدى البعض.
إن رسالة المسجد هي أساس لما تبذله الدولة من أجل تحديث وتحسين الأداء في كافة مناحي الحياة، وأداء رسالة المسجد وبوجهها التعبدي الصحيح هو الاستشعار الحقيقي للمسؤولية الهامة التي يعول عليها في تجسيد العدالة الاجتماعية وإشاعة التسامح ونبذ البغضاء وبث روح الإخاء والمحبة والتكافل مستفيدين من الدروس الرمضانية العظيمة التي تجدد النبض الروحي للمجتمع المسلم.
وإننا نوجه الحكومة بالمزيد من الاهتمام بالمساجد وصيانتها وتحسين الأحوال المعيشية للخطباء وأئمة المساجد والعاملين فيها وبما يعزز من دور المساجد كأماكن للعبادة والتوجيه والإرشاد ونشر الفضيلة وحسن التربية والتنشئة الاجتماعية السوية والفاضلة والحث على التمسك بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
أيها الأخوة المواطنون:
يهل علينا هذا الشهر الكريم وقد حققت بلادنا بحمد الله الكثير من الإنجازات والخطوات على طريق تسريع وتائر التنمية وتعزيز البناء الاقتصادي والتخلص من أعباء الديون البالغة ستة مليارات وسبعمائة مليون دولار من خلال ما تحقق في نادي باريس والتي تمثل ثمرة طيبة للجهود المخلصة التي بُذلت ولسياسة بلادنا الخارجية لتعزيز العلاقات والتعاون الثنائي مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية وانعكاساً لما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري من نجاحات ملموسة يعود الفضل فيها لأبناء شعبنا الذين أسهموا بدور فعال في سبيل ذلك مستشعرين مسؤوليتهم الوطنية في العمل على كل ما من شأنه تحقيق المصلحة العليا للوطن رغم كل الصعاب والتحديات.
وإنها لمناسبة أيها الإخوة نكرر فيها الدعوة للجميع في الوطن لمزيد من تضافر الجهود وتشابك الأيدي والتلاحم لخوض معركة التنمية بهمة عالية وصولاً إلى كافة غايات البناء الوطني وتحقيق النهضة والإزدهار للوطن، فأمامنا مهام كبيرة من أجل صنع المستقبل الأفضل وبناء الدولة اليمنية الحديثة التي هي مسؤولية الجميع في الوطن أفراداً وأحزاباً في السلطة أو المعارضة، وإن معيار الوطنية الحقيقية هي الإسهام الفاعل والصادق من أجل خدمة الوطن والعمل المخلص من أجل الشعب فالوطن ملك الجميع وهو يتسع لكل أبنائه دون استثناء.
وإن من المهام والأولويات التي ستتركز الجهود من أجل تحقيقها خلال الفترة المقبلة هي التسريع بوتائر التنمية الشاملة وتحقيق الانتعاش والتطور الاقتصادي وتعزيز البناء المؤسسي للدولة وتطوير أجهزة القضاء وتطبيق نظام الإدارة المحلية على أساس اللامركزية المالية والإدارية وترسيخ النهج الديمقراطي في بلادنا القائم على التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان والعمل على كل ما من شأنه تعزيز البناء المؤسسي للدولة المرتكز على النظام والقانون.
ونوجه الأخوة المحافظين ومدراء المديريات ومسؤولي الإجهزة التنفيذية والقضائية والنيابة العامة في المحافظات والمديريات على ممارسة صلاحياتهم وتحمل مسؤولياتهم في حل قضايا المواطنين ومشاكلهم أولاً بأول بعيداً عن التطويل أو التعقيد الإداري وبما يكفل تحقيق العدل والإنصاف وتجسيد الالتزام بالدستور والقانون وبما يحول دون اضطرار المواطنين رفع شكواهم ومراجعاتهم إلى رئاسة الدولة أو السماح للوسطاء والمنتفعين وأصحاب المصالح والوجاهات من التدخل في قضايا المواطنين والتلاعب بها والكسب غير المشروع منها، وهو أمر لا يمكن قبوله أو السماح به وعلى المسؤولين الاضطلاع بواجباتهم بكفاءة ودون تقاعس كما على الأخوة المواطنين التعاون لما فيه تحقيق المصلحة العامة.
الأخوة الكرام:
إنه حري بأمتنا العربية والإسلامية وهي تؤدي فريضة الصوم في هذا الشهر الكريم بروح إيمانية واحدة أن تقف بجدية من أجل رفعتها وعزتها وأن تجترح طريقاً يليق بتاريخها وبسمو ديننا الإسلامي الحنيف الذي يرسخ قيم الفضيلة والحوار والسلام ويحث على الحرية والاستقلال والكرامة ويدعو إلى امتلاك أسباب التعامل مع الآخرين بتكافؤ وإقتدار.
وإن مثل هذه المناسبة العظيمة كفيلة بأن تجدد فينا روح التضامن والتآزر من أجل نصرة الحق وتخليص مقدساتنا من الهيمنة والاحتلال.
وختاماً.. نسأل المولى عز وجل لوطننا وأمتنا الرفعة والعزة وأن يعيد علينا مثل هذا الشهر الكريم بالخير والبركة والعزة.
صوماً مقبولاً.. وذنباً مغفوراً بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..