خطاب الأخ رئيس الجمهورية بمناسبة العيد العاشر للوحدة اليمنية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
الأخوة المواطنون الأعزاء يا أبناء شعبنا العظيم أينما كنتم داخل الوطن أو خارجه
يا صناع مجـد الوحـدة وحماتـها
يا أبنــاء أمتنـا العربيـة والإسلاميـة الأكـارم
في هذه اللحظة التاريخية المشرقة التي يطل فيها يمن الوحدة والديمقراطية والحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان إلي رحاب عقد جديد ، يسعدني أن أتوجه إليكم جميعا بالتهنئة الصادقة بهذه المناسبة الغالية التي نحتفل فيها بالعيد الوطني العاشر لاستعادة وطننا لوحدته وقيام الجمهورية اليمنية، التي ارتفعت رايتها خفاقة شامخة يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م تتويجاً لنضالات طويلة وتضحيات غالية جسيمة، قدمها شعبنا المناضل من أجل تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي الذي لا يمثل إنجازاً وطنياً تاريخياً فحسب ، بل هو إنجاز قومي على طريق الوحدة العربية الشاملة ، التي ظلت وما تزال تمثل بالنسبة لأبناء أمتنا العربية هدفاً قومياً، طالما ناضلوا من أجل الوصول إليه، لأن الوحدة هي عنوان العـزة والقـوه والمجـد والسبيل إلي التقـدم والنهـوض .
وأود في هذا اليوم المجيد الذي نعيش فيه أفراح وابتهاجات العيد الوطني العاشر للجمهورية اليمنية ، أن أرحب ترحيبا حاراً بضيوفنا الأعزاء من أصحاب الفخامة الرؤساء وأصحاب السمو الأمراء ونواب رؤساء الجمهوريات، ودولة رؤساء الوزراء ورؤساء المجالس التشريعية وأصحاب المعالي الوزراء، وأعضاء المجالس التشريعية ورؤساء الوفود الصديقة وأصحاب السعادة السفراء والشخصيات والمنظمات الدولية، وكافة أعضاء الوفود من مدنيين وعسكريين من الدول الشقيقة والصديقة الذين يشاركون شعبنا احتفالاته بهذه المناسبة العظيمة وأن أفراحنـا تتضاعـف بوجودهـم بيننـا .
الأخوة المواطنـون الكـرام ضيوفنـا الأعـزاء
لقد مثلت الوحدة انطلاقة كبرى حيث أحدثت تغيرات إيجابية هائلة في حياة شعبنا، كان يمكن أن تتضاعف عطاءاتها وإنجازاتها لولا العديد من التحديات والمتغيرات الإقليمية والظروف الخارجة عن الإرادة الوطنية التي واجهتها الوحدة، وفى مقدمتها فتنة الأزمة وحرب الانفصال في صيف عام 1994م، ولكن بفضل الله والتفاف وصمود شعبنا واستبسال قواتنا المسلحة والأمن انتصرت الوحدة وترسخت جذورها، معمـدة بالدمـاء الذكية لشهدائنـا الأبـرار .
إن الجمهورية اليمنية التي تحتفل اليوم بمرور عقد من الزمن على ميلادها العظيم راسخة رسوخ الجبال الرواسي، وهي وجدت لتبقى قوية وعزيزة ومصانة، ويواصل شعبنا خطاه الوثيقة في ظل رايته المنتصرة وبدعم من أشقائه وأصدقائه لتحقيق كل ما يتطلع إليه على درب الإنجازات والنهوض التنموي الشامل والتقدم الاجتماعي ، إن ما تم إنجازه خلال تلك الفترة في مختلف المجالات كثير وكبير يبعث على الاعتزاز والفخر حيث أمكن تنفيذ الكثير من المشاريع الخدمية والتنموية خاصة في المناطق التي حرمت في الماضي، والتي حظيت باهتمام خاص من قبل الدولة وذلك تلبية للاحتياجات الضرورية والملحة للمواطنين، حيث بلغ عدد المشاريع التي تم تنفيذها وبتمويل حكومي خلال العشر السنوات الماضية ستة آلاف ومائتين وتسعة وسبعين مشروعاً ( 6279مشروعــا ) وبقيمة إجمالية تبلغ – ثلاثمائة وستة وثمانين مليار ريــال، ومن حق أبناء الوطن في هذه المناسبة السعيدة أن يفخروا بكافة الإنجازات الاستراتيجية العملاقة ، وأبرزها إنشاء المنطقة الحرة بعـدن ، ومشاريع الطاقة والطرقات والاتصالات الحديثة والمطارات الجديدة، والاستكشافات النفطية والغازيـة ، وفي بناء القوات المسلحة والأمن على أسس وطنية وعلمية حديثة وتزويدها بكل عوامل القوة والكفاءة والاقتدار تنظيماً وتسليحاً وتدريباً وبناءً معنوياً متماسكاً يرتكز على الولاء لله والوطـن والثـورة .
كما تم إحراز نجاحات كبيرة في مجال الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري لمعالجة ما خلفته فتنة الأزمة وحرب الانفصال من آثار سلبية على صعيد الأوضاع الاقتصادية والإدارية، وأمكن خلال الخمس السنوات الماضية إيقاف التدهور الاقتصادي ومكافحة الفساد ومعالجة كثير من الاختلالات المالية والإدارية ، وتم الحد من التضخم بنسبة سبعة وسبعين بالمائة إلى أربعـة في المائة، وتقليص الديون من حوالي تسعة مليار دولار إلى حوالي ثلاثة مليار دولار، وتخفيض نسبة العجز من ( 22 – 3% ) من الناتج القومي ، كما تسارعت وتيرة البناء والتنمية في مختلف المجالات ، حيث سيتم وخلال هذا العيد افتتاح ووضع حجر الأساس لعدد ألف وستمائة وثلاثة مشروعاً تنموياً وخدمياً، وبتكلفة تبلغ مائة وأربعة وسبعين مليـار، كما إن أعمال الاستكشافات النفطية والغازية والمعدنية تتواصل وبوتيرة عالية، والنتائج مبشرة وبحمد الله في العديد من مناطق الامتياز الممنوحة للشركات العاملة في بلادنا في هذا المجال، وقد بلغ احتياطي النفط في بلادنا حوالي ( خمسة مليار وسبعمائـة مليون برميل ) ، فيما ارتفع احتياطي الغاز إلى حوالي – خمسة عشر ترليـون قـدم مكعـب .
وإن من الأولويات في المستقبل هو مواصلة جهود البناء التنموي والإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين ، وتعزيز الاقتصاد الوطني والاهتمام بالسياحة والاستثمار، والحد من البطالة، وإيجاد فرص عمل، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وتنفيذ برنامج الخطة الخمسية الثانية (2000م – 2005م )، وكذلك العمل من أجل تعزيز الإصلاح القضائي والاهتمام بأجهزة الأمن وتطويرهـا، من أجل خدمة الشعب ومكافحة الجريمة والارتقاء بمستوى الأداء في مختلف القطاعات ومرافق العمل والإنتاج، بالإضافة إلى مواصلة جهود النهوض بالمجتمع مع إعطاء العناية الكبرى بالأسرة ( والطفولة والأمومة والشباب والمرأة )، وكفالة حقوقها المشروعة وتشجيعها وإعدادها لمشاركة أوسع في الحياة السياسيـة والعامـة ، وتحمل مسئولياتها في كافـة مـجالات العمـل الوطنـي .
الأخـوة المواطنـون الأخـوات المواطنـات
إن هذا العيد وكما هو عيد للوحدة ، فهو عيد للديمقراطية الخيار الحضاري الذي التزم به شعبنا من أجل صنع التقدم في الوطن، وهو تعبير عن واقع جديد يتجسد في التعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة، وممارسة الشعب لإرادته الحرة عبر الانتخابات والالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ومهما واجهت الديمقراطية في البداية من صعوبات أو تحديات أو سوء فهم من البعض، فإن الديمقراطية مدرسه يتعلم منها الجميع، وأخطاء الديمقراطية لا تعالج إلا بالمزيد من الديمقراطية، إن المسئولية الوطنية تفرض على الجميع في الوطن أفراداً وأحزابـاً أن يجعلوا من الديمقراطية وسيله لتحقيق المصلحة العليا للوطن ومجالاً للتنافس الشريف والمسئول، من خلال البرامج ونيل ثقة الجماهير عبر صناديق الاقتراع ، وخلال العام القادم سوف يتم إجراء الانتخابات البرلمانية كما سيتم انتخاب المجالس المحلية بعد أن تمت المصادقة على قانون السلطة المحلية، والذي يوسع نطاق المشاركة الشعبية ويعطى صلاحيات أوسع للوحدات الإدارية، ويحقق الانتقال من المركزية إلى اللامركزية المالية والإداريـة وينبغي على الجميع في الوطن أن يكون شعارهـم اليمن أولا ومصالحـه فـوق كـل اعتبـار .
الأخوة المواطنـون الأعـزاء يا أبنـاء أمتنـا العربيـة والإسلاميـة
إن مسيرة عقد من الزمن والتي حفلت بإنجازات كبيرة على صعيد البناء الداخلي، استطاعت بلادنا أن تحقق نجاحات كبيرة على صعيد سياستها الخارجية والتي تقوم على الالتزام بالثوابت المبدئية والتعامل العقلاني والمسئول مع كافة الأحداث والمواقف والمتغيرات. واستطاعت بلادنا وبحمد الله أن تحافظ على علاقات متميزة مع كافة الأقطار الشقيقة والصديقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل والتعاون وتبادل المصالح والشراكة المثمرة وحسن الجوار، ولقد كانت بلادنا وستظل وفيـّه لالتزاماتها القومية ومناصرة قضايا الحق العربي وحريصة على التضامن بين أبناء الأمة العربية ودعم ومساندة الجامعة العربية ، ومن أجل ذلك سعت بلادنا وما تزال إلى عقد قمة عربيـة، وتقدمت بورقة عمل متكاملة حول آلية انعقاد القمة العربية، وبصورة منتظمة أسـوة بالتجمعات الإقليمية والدولية .
وإنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة لكافة الأشقاء من أجل إنهاء الخلافات العربية وحل المشكلات والنـزاعات بصوره ودويه وسلمية، وإيجاد استراتيجية موحدة للأمن القومي العربي كمنظومة متكاملة ، والسعي إلي تحقيق التكامل الاقتصادي الذي يضمن تشابك المصالح بين أقطارنا العربيـة ، وإن تجربة القرن الماضي تفرض علينا ضرورة الاتفاق على آلية لقيام نظام عربي جديد لأمـةٍ واحدةٍ في أنظمةٍ متعددةٍ، يكفل لها تحقيق التكامل الاقتصادي، وتشجيع استثمار المال العربي في الأراضي العربية من أجل تشابك المصالح الذي يكفل للعلاقات بين أقطارنـا العربيـة الديمومـة والازدهـــار .
الأخوة والأخـــوات
إنه لمن المؤسف أن منطقتنا عانت الكثير من الحروب والصراعات، ولقد حان الوقت أن يتعاون الجميع من أجل إزالة شبح التوتر وإنهاء المخاوف وترسيخ أسس الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وذلك من خلال إيجاد نظام أمن إقليمي يقوم على الثقة والتفاهم وحل الخلافات وخاصة حول قضايا الحدود بالحوار السلمي والتفاهم الودي المباشر أو التحكيم طبقاً لقواعد القانون الدولي ، ولقد قدمت بلادنا وسلطنـة عمـان الشقيقة نموذجـاً مثاليـاً في حل مشكلة الحدود عبر التفاهم الأخوي والودي ، كما تم حل مشكلة ( جزيرة حنيش الكبرى ) اليمنية، والحدود البحرية مع إريتريا عبر التحكيم الدولي، والجهود تتواصل مع أشقائنا في المملكـة العربية السعودية من أجل الوصول إلي حـل يرتضيـه البلدان الشقيقان وذلك بما يكفـل أن تصونـه الأجيـال القادمـة .
الأخـوة المواطنـون الأعـزاء يا أبناء أمتنا العربيـة والإسلاميـة
إن اليمـن هي أرض للسلام ، وستظل تدعم كل الجهود المبذولة من أجل أن تنتشر راية السلام في كل بقاع الأرض، ولهذا فإننا نجدد دعمنا وتأييدنا لكل الجهود المبذولة من أجل إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط على أساس أن يكون عادلاً وشاملاً، ومرتكزاً على استعادة الحقوق العربية المشروعة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولتـه المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، ذلك هو موقفنا المبدئي الـذي لـن نحيـد عنــه .
إننا نشعر بالأسى لما يعانيه الشعب العراقي الشقيق نتيجة للحصار الاقتصادي، ونعلن تضامننا إزاء تلك المعاناة الإنسانية القاسية التي سببها استمرار ذلك الحصار لأكثر من عشر سنوات والذي ألحق ضرراً بالغاً بالأطفال والشيوخ والنساء في العراق، في الوقت الذي نؤكد فيه احترامنا لقرارات الأمم المتحدة فإننا نطالب بضرورة وضع حد لاستمرار فرض الحصار على العراق إلى ما لا نهاية، كما نعلن تضامننا مع السودان الشقيق والوقوف إلى جانبه في كل ما يصون أمنه وسيادته ووحدة أراضيه، وإننا نتابع باهتمام الأحداث والتطورات المؤلمة في منطقة القرن الأفريقي وفي مقدمتها الحرب الدائرة حاليا بين أثيوبيا وإرتيريا، وندعو الطرفين إلى ضبط النفس وإيقاف نزيف الدم وإحلال السلام بينهما، كما نتابع بأسف تطورات الأوضاع في الصومال والتي تنعكس في أثارها السلبية على بلادنا نتيجة لعملية النزوح الكبير إلى بلادنا والتي استقبلت وما تزال مئات الآلاف من النازحين الفارين من جحيم الصراعات الدائرة هناك، وإننا نناشد المجتمع الدولي بأن يتحمل مسئولياته إزاء هذه القضية الإنسانية، ونؤكد مجدداً دعمنا لكل المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة إلى إعادة الهدوء وإحلال الأمن والاستقرار والسلام في تلك المنطقة وفي مقدمتها مبادرة جمهورية جيبوتي الشقيقة إزاء الصومال آملين أن تستجيب كل الأطراف لتلك المبادرة السلمية وبما يكفل للمنطقة التفرغ لمجابهة تحديات البناء والمتغـيرات الدوليــة .
الأخوة المواطنـون الأعـزاء
إن المرحلة الراهنة تقتضي من كل أبناء الوطن التسلح بالثقة والأمل الكبير في مزيد من البناء والتطور وحتمية التغيير نحو الأفضل، إننا نرحب مجدداً بكل أبنـاء الوطن للعودة إلى وطنهم مواطنين صالحين، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات التي كفلها الدستور والقانون. فالوطـن يتسع للجميـع، وهو ساحة مفتوحة لكل الطاقات الوطنية التي تتحمل مسئولياتها في بناء الوطن وإثراء الممارسة الديمقراطية في إطار استيعاب كافة المتغيرات والتفاعل الإيجابي مع تطورات العصــــر .
الأخـوة المواطنـون الأخـوات المواطنات
في هذا اليوم التاريخي المجيد لن ننسى أن نتقدم بالتحية والتقدير لكل أبناء القوات المسلحة والأمن عنوان الفداء والتضحية ونكران الذات ونؤكد لهم بأنهم سيظلون محل تقدير القيادة والحكومة والشعب وفاءً لمواقفهم الوطنية في الدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والشرعية الدستورية، المجد والخلود لشهداء الوطن الأبرار سائلين الله أن يتغمد أرواحهم الطاهرة بواسع رحمته وغفرانه وأن يسكنهم فسيح جناته إلى جوار الأنبياء والصديقين وأن يعيد هذه المناسبة الوطنية والقومية الغالية على شعبنا وأمتنا العربية وقد تحقق لها كل ما تصبـوا إليـه إنـه سميـع مجيــب .
والسـلام عليكـم ورحـمة الله وبركاتـــه.