خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك.. 22 فبراير 2002م

وجه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية خطاباً لابناء شعبنا اليمني في الداخل والخارج والامة العربية والإسلامية بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك فيما يلي نصه:
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه { ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا } والصلاة والسلام على من بعثه الله نبيا خاتما ورسولا.
الاخوة المؤمنون..
.. الأخوات المؤمنات
في غمرة المشاعر الإيمانية العظيمة التي ينبض بها قلب كل مؤمن ومؤمنة في العالم قاطبة وتتوهج بها الرحاب المقدسة في هذا اليوم الأغر من أيام الله الجليلة المعظمة يوم الوقوف بعرفات الله يسعدني ان أتوجه إليكم في كل أرجاء المعمورة والى اخوننا وأخواتنا ضيوف الرحمن الذين تحقق لهم الفوز العظيم والفضل الكبير بأداء فريضة الحج في هذا العام بأصدق التهاني القلبية وأخلص التبريكات بحلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله على أمتنا العربية والإسلامية بالخير واليمن والخير والبركات.. وأن يتحقق لضيوف الرحمن كل ما شدوا من أجله وإليه الرحال من حج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور وعفو وكرم ورحمة من الله وذلك هو جزاء المحسنين والصالحين. ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد حج مبرور).
الاخوة المؤمنون..
الأخوات المؤمنات..
أن رحلة أداء فريضة الحج حافلة بثمار الخير والفائدة والمنفعة التي تعود على المسلم وأمته على حد سواء.. وتضيف رصيدا جديدا إلى ميزان الحسنات لأنها إقامة لركن هام من أركان الإسلام.. وتعزز صلة الإنسان المسلم بأقدس بقاع الأرض حيث بيت الله العتيق الذي يتوجه إليه كل المسلمين في صلاتهم عدة مرات كل يوم وحيث مهبط الوحي وتشكل المنابع الأولى لحركة التأريخ الإسلامي المشرق الذي هو تاريخ اكتمال الرسالات السماوية بالدين الإسلامي الحنيف.. وتجسيد الإيمان الحق بالوحدانية لله سبحانه وتعالى وبعزة وكرامة الإنسان.. والانتصار لحقوقه في الحرية والإخاء والمساواة وإقامة العدل بين الناس وهي القيم التي شهدت أروع التطبيقات لها تأسيسا من المدينة المنورة ووصولا إلى مكة المكرمة وانطلاقا منها إلى كل جهات الأرض.. ولقد كانت الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.. والسلوك العقيدي الصحيح هي السبيل الأمثل لذلكم الذيوع والانتشار الذي حققه الدين الإسلامي الحنيف بعد أن شهدت تلك الرحاب المقدسة التي تمتد بين مكة والمدينة والتي ربطت بينهما بنسيج روحي خالد إشعاعات الهجرة النبوية الشريفة.. كما نسجت عروتها السامية بين السماء والارض عملية التنزيل للقرآن الكريم والتي أثمرت الصورة الواضحة النقية للدين الإسلامي الحنيف عقيدة إيمانية مبسطة لا تعتريها التعقيدات أو التطرف والغلو وحضارة إنسانية راقية تقوم على قيم العدل والحرية والإخاء والمساواة والسلام والتعارف والتعاون والتعايش بين كافة أبناء البشرية شعوبا وأمما.
الاخوة المؤمنون..
الأخوات المؤمنات..
أن المشهد التعبدي الحاشد البالغ الروعة والقداسة الذي تسطع صورته الحية والعظيمة في هذا اليوم في جبل عرفات كجوهر ناصع لفريضة الحج وبلوغا لذروة الأعمال التعبدية المتصلة بها لتؤكد لنا.. وترسخ في أعماقنا جملة من المعاني والدلالات الروحية والحياتية التي تجسد عظمة الإسلام ووحدة الأمة الإسلامية.. وحقيقة مكونات ومقومات قوتها الروحية والمادية وحيويتها المستمرة.. والباقية الى ما شاء الله سبحانه وتعالى. إنها صورة حياتيه وايمانية راقية صادقة الدلالة على الخضوع والطاعة لله وحده لا شريك له جليلة التأكيد على الوحدة والقوة والمنعة التي يتعين توظيفها وتسخيرها والتمسك بها في كل ميادين العمل والعبادة والتعاون والتكامل بين كافة أبناء الأمة الإسلامية وفي خدمة مصالحها الدنيوية التي هي جزء لا يتجزأ من مآلهم المحمود في الآخرة.. ولذلك فهي صورة تذكر بمعنى الحشر في يوم لا ظل فيه الا ظله سبحانه وتعالى ولا ينفع المرء من بعده الا ما قدمه في حياته لآخرته وصار مثبتا ومسجلا في كتابه ومن اجل ذلك تجسد الحج في عقيدة وسلوك المسلمين كركن جهادي بالقلب والعقل والمال وحركة الجوارح في البدن وكافة الوسائل المطلوبة في شرط الاستطاعة وما احرانا كأبناء أمه واحده وعقيدة واحدة التزود من تلك القيم والمعاني النبيلة التي يعبر عنها هذا المشهد الروحاني التعبدي العظيم في رحاب ارض الحرمين الشريفين بما يحفزنا على تجاوز الواقع الواهن الذي تعيشه امتنا وهو واقع الشتات والفرقه واقع الوهن والضعف الذي أدى بدوره إلى الهيمنة وسلب حقوق الأمة وانتهاك مقدساتها وتهديد أمنها ومصالحها ووجودها ومستقبلها.
ولهذا فانه من الواجب على ولاة أمور المسلمين العمل الجاد بإيثار ونكران الذات من أجل وحدة الصف وتعزيز اقتدار الأمة وتأهيلها للانتماء إلى العصر والتأثير في مجريات التطورات والأحداث الجارية وبما يحقق مصالحها ويصون أمنها واستقلالها ويضمن لها المستقبل الأفضل، فأمة الإسلام بما تمتلكه من مقومات روحية وحضارية وإمكانات بشرية وطبيعية جدير بها ان تنهض من كبوتها وتتبوء المكان اللائق بها بين الأمم.
ياأبناء امتنا العربية والإسلامية.. إن ما يجري اليوم على ارض فلسطين المحتلة من مآس دامية ومحزنة وما ترتكب بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني الأعزل من أعمال قتل وتنكيل وتجويع وحصار خانق طال حتى القيادات وعلى رأسها المناضل ياسر عرفات، إضافة إلى الانتهاك المستمر للحقوق الإنسانية وممارسة الإرهاب وحرب الإبادة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز كل حد ويمثل السكوت عنه جريمة أخلاقية وإنسانية لا ينبغي لأي ذي ضمير حي ان يتحمل وزرها وأنه لمن المثير للاستغراب والحيرة أن يغض الطرف وعلى ذلك النحو المحزن عن كل تلك الممارسات الإرهابية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة شارون كل يوم على مرأى ومسمع من العالم وان تتعالى بعض الأصوات من هنا وهناك تطالب الضحية أن يكف عن الصراخ ألما وان يتوقف عن الدفاع المشروع عن نفسه بل وان يستسلم وفي المقابل يحصل الجاني والجلاد على مكأفاة تشجعة على الاستمرار في سياسته العدوانية المتطرفة والمقوضة لكل أسس الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
ومثل هذا المنطق المشوه للحقائق والذي يفتقد لابسط أسس العدل والأنصاف لايمكن ان يحقق سلاما عادلا ودائما أو يهيئ مناخات تشجع على التعايش والاستقرار في المنطقة ولا بد من التفكير الجاد والواقعي في كيفية الخروج من المأزق الراهن الذي أوجده التطرف الإسرائيلي وسياسة القمع والعنف التي لايمكن ان تولد الا عنفا مضادا وأجواء مشحونة بالتوتر والصراع الدامي الذي ليس له نهاية وحان الوقت لان يدرك الجميع بأن السلام لا يتحقق الا بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها القرارين 242، 338 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في جنوب لبنان وهضبة الجولان، إن أمن اسرائيل والتعايش معها بسلام مرهون بالإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وأقامة دولته المستقلة.
كما انه ينبغي التمييز بين الإرهاب وحق الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع والعادل من اجل الدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل ونيل حريته واستقلاله، ومن الظلم ان يوصف دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه بأنه إرهابا.
الاخوة المواطنون..
الأخوات المواطنات..
.. ياأبناء أمتنا العربية والاسلامية
ان الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي تواجه امتنا العربية والإسلامية في الوقت الراهن وفي ضوء كافة المتغيرات الدولية وما صاحبها من تعقيدات وتداعيات وبخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي والجهود الدولية المبذولة من اجل مكافحة الإرهاب تستدعي من أبناء الأمة جميعا قادة وشعوب ان يكونوا عند مستوى تلك التحديات وقادرين على التأثير الإيجابي في مسار التطورات والمتغيرات المتسارعة من حولهم ولعل ابرز ما يمكن الوقوف أمامه بتمعن وحكمة هو التصدي الفعال والحازم لتلك المحاولات المستمرة وغير المسؤولة للاساءه للإسلام وتشويه صورته الناصعة ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف به مستغلة بعض تلك الشوائب التي نبتت على الهوامش هنا أو هناك وفى مراحل وظروف معينة ومعروفة وحسبت ظلما على الإسلام كدين وأمه وأساءت إليه بتطرفها وغلوها وعدم تفهمها لمبادئ الدين الحنيف وحقائق الحياة فالإسلام هو دين الرحمة والتسامح والاعتدال الذي يرفض العنف والتطرف والغلو ويدعو إلى الفضيلة والى كل ما فيه الخير والصلاح للمومنين وكل بني البشر ( آن أكرمكم عند الله اتقاكم).
وما من شك فان ظاهرة الإرهاب والتطرف لا تخص ديانة بعينها أو جنسية أو أ مة دون أخرى بل ان المتطرفين والإرهابيين موجودون في كل الديانات والأجناس وفى كل زمان ومكان وأنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة إلى ضرورة الحوار والتعايش بين كل الأديان السماوية والحضارات الإنسانية على قاعدة تلك القواسم المشتركة لما فيه خدمة الأمن والسلام والاستقرار وخدمة البشرية ومسيرة نهضتها وتقدمها وحضاراتها كما ينبغي أن تتعدد السبل والوسائل التي يتم من خلالها القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره وتجفيف منابعه وتطهير العالم من شروره وآثامه ومن ذلك إزالة كافة الأسباب والمناخات المهيئة والمشجعة على التطرف والمؤدية إلى العنف سواء بإيجاد الحلول العادلة والمنصفة للقضايا والمشكلات الإقليمية والدولية أو بدعم برامج التنمية ومكافحة الفقر والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل وبخاصة في الدول الفقيرة والنامية.
كما ينبغي الاهتمام بتشجيع تلك القيم الدينية والروحية والأخلاقية والإنسانية التي تحفز على التسامح والتعاون والتفاهم والحوار والتعايش الإيجابي بين الشعوب والأمم وخدمة السلام والحضارة الإنسانية ولما فيه خير البشرية جمعاء.
يا أبناء امتنا العربية..
أننا ونحن نقف على أعتاب القمة العربية الاعتيادية المقرر عقدها في بيروت في السابع والعشرين من شهر مارس القادم ندرك بيقين ان التطلعات كبيرة لدى جماهير امتنا العربية للخروج منها بنتائج وقرارات تتجاوز ما اعتادت عليه من القمم العربية السابقة والوقوف الجاد أمام ما يعتمل في الواقع العربي من تفاعلات وتطورات وما يحيط بالأمة من تحديات ومخاطر.
لقد حان الوقت لان يقف الجميع بمسؤولية تاريخية وصادقة إزاء ما ينبغي اتخاذه من اجل الخروج من الوضع الراهن الذي لا يسر أحدا والعمل للانطلاق نحو أفق جديد تتجاوز احباطات الماضي وعثراته ويستلهم الغد المأمول لامتنا فلا مجال للامة ان تصون مصالحها ووجودها الا بالتضامن ووحدة الصف بين أبنائها والإدراك الواعي لحقائق العصر ومتغيراته وشروط الانتماء إليه حيث لا مكان للضعفاء والمترددين والمتأخرين عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم ونتطلع بثقة بان تكون القمة القادمة فرصة مناسبة لمناقشة كافة القضايا التي تهم حاضر ومستقبل امتنا والخروج منها برؤية مشتركة تحقق المصالح القومية العليا لامتنا وان يكون لقاء الأشقاء سبيلا للمكاشفة والمصارحة التي تخلق قاعدة راسخة من الفهم المشترك والموقف الموحد وبناء علاقات عربية – عربية سليمة كما انه من المهم إعادة النظر في الهيكلة الراهنة للجامعة العربية بيت العرب جميعا وتنشيط دورها لخدمة مصالح الأمة، ونجدد الدعوة لاشقاؤنا في العراق والكويت إلى السمو فوق كل الجراح وطي صفحة الماضي المؤلمة وإرساء أساس جديد لمستقبل العلاقات بينهما على قاعدة الإخاء والتفاهم واحترام السيادة والوجود وعدم التدخل في الشئون الداخلية ومراعاة حسن الجوار. مجددين دعوتنا إلى ضرورة وسرعة إنهاء الحصار المفروض على القطر العراقي الشقيق منذ حوالي 11 عاما ووضع حد للمعاناة الإنسانية القاسية التي يعانيها الشعب العراقي نتيجة ذلك الحصار.
كما نؤكد تضامننا ودعمنا لاشقائنا في السودان في كل ما يصون وحدة السودان وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه ورفض التدخل في شؤونه الداخلية. وإننا في الجمهورية اليمنية في الوقت الذي نتابع باهتمام كافة التطورات الجارية في منطقة القرن الأفريقي نؤكد الحرص على دعم كافة الجهود المبذولة من اجل استتباب الأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة عموما وفي الصومال بشكل خاص وندعو الأشقاء العرب والمجتمع الدولي إلى اتخاذ المبادرة الكفيلة باستعادة الصومال الشقيق لأمنه واستقراره والحفاظ على سيادته ووحدته.
الاخوة المؤمنون..
الأخوات المؤمنات..
أن مناسبة عيد الأضحى المبارك وهي تأتي تأكيدا وتعميما لفرحة المسلمين كلهم بإقامة ركن هام من أركان ديننا الحنيف تمثل فرصة هامة للتواصل والتراحم والتكافل وللبذل والإنفاق.. والسخاء والتضحية والتنافس في سبيل ترجمة القيم الأخلاقية الإسلامية الرفيعة كما تدل عليها أضحية العيد ودروسها التاريخية الخالدة والمضيئة في حياة المسلمين كما هي راسخة في أيمانهم وفي أعمالهم وأدائهم لواجباتهم ومسئولياتهم تعبيرا عن صدق الوفاء والالتزام وترجمة قيم الفداء والتضحية والبذل والعطاء ونكران الذات التي نجد لها اليوم اصدق صور الممارسة والتطبيق لدى الاخوة الميامين المنتمين للمؤسسة الوطنية الكبرى القوات المسلحة والأمن الذين أتوجه إليهم بصورة خاصة جنودا وصف وضباط بأصدق التهاني القلبية بهذه المناسبة الدينية الغالية أينما يكونون.. وحيثما يرابطون في كل مواقع أداء الواجب الوطني المقدس وتحمل مسئولية حراسة الأمن والاستقرار والحفاظ على المكاسب والمنجزات وحماية السيادة الوطنية والشرعية الدستورية مجسدين قيم البذل والعطاء ومثل البطولة والفداء في كل الظروف والأوقات مؤكدين بان منتسبي هذه المؤسسة الوطنية الكبرى سيكونون دوما محل الرعاية والاهتمام وفاءً وتقديرا لكل ما اسهموا ويسهمون به من اجل خدمة الوطن والواجب.
فالقوات المسلحة والأمن هي رمز الوحدة الوطنية وصمام أمان المسيرة الوطنية والديمقراطية ولا مكان فيها أبدا للحزبية والمناطقية والقبلية وغيرها وسوف تتواصل جهود البناء العلمي والنوعي الحديث لهذه المؤسسة الوطنية الكبرى وتزويدها بكافة التقنيات العسكرية الحديثة وبما يعزز القدرة الدفاعية لبلادنا ونؤكد على أهمية الانتقال بكافة القرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر السنوي التاسع لقادة القوات المسلحة والمؤتمر السنوي لقيادة وزارة الداخلية إلى واقع التنفيذ الفعلي وبما يحقق كافة الغايات والأهداف المنشودة في بناء قوات مسلحة وأمن قوية ومتطورة ختاما اكرر التهنئة لكم جميعا.
عيد سعيد وكل عام وانتم بخير..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،