رئيس الجمهورية في كلمته بمناسبة العيد الوطني الخامس لإعادة تحقيق الوحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
الأخوة المواطنون الأحرار أبناء شعبنا الأبي…
تحيةً لكم حيثما كنتم داخل الوطن وخارجه. تهنئة صادقة أتوجه بها إليكم بمناسبة العيد الوطني الخامس لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية وقيام الجمهورية اليمنية التي ارتفعت أعلامها خفاقة يوم 22 من مايو 1992 م فوق كل ربوع الوطن تجسيداً لإرادة الشعب وثمرة لنضاله الطويل وتضحياته الجسيمة من خلال إنجاز هذا الهدف الاستراتيجي العظيم الذي استقبلته جماهير شعبنا اليمني وأبناء أمتنا العربية بفرح غامر وابتهاج كبير منذ تلك اللحظة التاريخية التي تم فيها التوقيع في مدينة عدن الباسلة على اتفاقية 30 من نوفمبر1990 م، ودشن الوطن في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات عهداً جديداً في تاريخ مسيرته النضالية بعد أن تم إنهاء حالة التشطير ولم شمل الأسرة اليمنية الواحدة. ويأتي احتفالنا اليوم بهذا العيد متميزاً ومكتسبا معانيه ودلالاته العميقة في حجم التحديات والمؤامرات الخطيرة التي واجهت دولة الوحدة منذ أول لحظة لميلادها.. وعن عظمة الانتصار الذي حققه شعبنا لإرادته في الوحدة عندما تصدى بحزم لذلك المخطط التأمري الذي دبره وأعد له بإحكام منذ زمنٍ بعيد الانفصاليون الخونة لتمزيق الوطن وتدمير وحدته ومحاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.. ابتداءً بالتمرد على الوحدة والديمقراطية والشرعية الدستورية وانتهاءً بإشعال فتنة الحرب والانفصال.
والحمد لله لقد انتصر الشعب لوحدته يوم السابع من يوليو 1994 م تماماً مثلما انتصر لثورة الـ 26 من سبتمبر 14 من أكتوبر وكان عظيماً في عطائه وتضحياته وصموده وتلاحمه مع قواته المسلحة والأمن الباسلة في التصدي للمؤامرات ودحر الخونة العملاء وصياغة تاريخ جديد متألق بروعة النصر والإنجاز وتجسيد القيم والمبادئ العظيمة للثورة اليمنية الخالدة.
الأخوة المواطنون:
إن الشعوب والأمم الحية المتطلعة إلي حياة أفضل هي التي تستلهم من نضالها وتاريخها ومن المحن التي تتعرض لها الدروس والعبر وتجعل منها زاداً في مسيرة انطلاقتها نحو المستقبل فبنصرِ الوحدة المعمد بدماء الشهداء الأبرار من أبناء شعبنا وقواته المسلحة والأمن. بدأ عهد جديد من الاستقرار في الوطن عنوانه العمل والبناء.. عهدٌ لا مجال فيه للمزايدات والمكايدات والدسائس والفساد..تتفجر في ظلهِ طاقات الشعب وإبداعاته ليتنافس الجميع بشرف ومسؤولية في شتى ميادين العمل السياسي والديمقراطي والاقتصادي والتنموي والاجتماعي من أجل تحقيق الأفضل للوطن وتجاوز تلك التركة الثقيلة الموروثة من عهد الإمامة والاستعمار وآثار ومخلفات الفترة الانتقالية والأزمة والحرب، وهمنا الأساسي اليوم ومعركتنا الراهنة والمستقبلية هي الاقتصاد والتنمية ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية لأبناء شعبنا وتحقيق الازدهار للوطن. وكلنا نعلم ما خلفته فتنة الانفصال والحرب من أعباء كبيرة انعكست آثارها السلبية على أحوال المواطنين وعلى الاقتصاد الوطني عموماً، وندرك بأن معركة التنمية ليست سهلة ولكننا عازمون بإذن الله على مواصلة الخطى وبصورة جادة من أجل البناء وإعادة الأعمار وإنجاح جهود الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري وتجسيد مبدأ التغيير إلى الأفضل.
وبهذه المناسبة نوجه الحكومة على اتباع سياسات مالية تقشفية صارمة تضمن الحد من النفقات وزيادة الإيرادات..وإعداد الخطة الخمسية للتنمية بأسرع وقت ممكن وبما يضمن إيجاد تنمية وطنية شاملة ترتكز على عطاءات الأرض اليمنية وتكامل الجهود الرسمية والشعبية في المجال التنموي وتحقيق مبدأ ديمقراطية التخطيط وعدالة التوزيع للمشاريع والخدمات.. والاستغلال الأمثل للموارد والإمكانيات المتاحة.. والاهتمام بالزراعة وتطويرها. وتسهيل استيراد المدخلات الزراعية.. وبناء السدود والحواجز المائية.. والاهتمام بتنمية المناطق التي حرمت في الماضي.. والإسراع باتخاذ الخطوات التنفيذية لإنشاء المنطقة الحرة في عدن وتطوير مرافقها، كما ندعو الجميع وبالذات في أجهزة ومؤسسات الدولة إلى العمل بروح وآلية جديدة والتحرر من كل عقد الماضي ورواسبه ومخلفات النهج الشمولي تفكيراً وممارسة.. وأن يتم التعامل مع قضايا الاقتصاد والتنمية والاستثمار بعقلية منفتحة بعيداً عن الجمود والروتين والبيروقراطية الإدارية..وتجاوز كافة السلبيات التي حدثت في الفترة الماضية..وتقديم كل التسهيلات اللازمة للمستثمرين طبقاً للقانون.
الأخوة المواطنون الأحرار:
إن مهمة بناء الوطن مسؤولية كل أبنائه دون استثناء وندعو الجميع إلى اصطفاف وطني واسع لدعم جهود الإصلاح الشامل وبناء يمن الـ 22 من مايو على أساس العدالة والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وإنها لمناسبة نجدد فيها تأكيد الالتزام بحرية الصحافة والنهج الديمقراطي الذي لا تراجع عنه باعتباره الخيار الرديف للوحدة، ومهما برزت الصعوبات والأخطاء في الممارسة الديمقراطية فإن الأسوأ من ذلك هو غياب الديمقراطية نفسها، ولهذا ندعو كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والصحافية في بلادنا إلى الترفع عن كل الصغائر والخلافات الهامشية والعمل على كل ما من شأنه ترسيخ الوحدة الوطنية وإثراء الواقع الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية بالممارسات الوطنية المسؤولة بعيداً عن الولاء الخارجي والمزايدات والمكايدات السياسية التي تضر بمصلحة الوطن.
ونحث الحكومة ومجلس النواب على سرعة إصدار وتطبيق القوانين التي ترسخ أسس الدولة اليمنية الحديثة وفي مقدمتها قانون الإدارة المحلية على أساس مبدأ اللامركزية المالية والإدارية وتفويض الصلاحيات الكاملة لأجهزة الحكم المحلي في محافظات الجمهورية في ظل التكامل والتعاون مع أجهزة الدولة المركزية وبما يلبي احتياجات البناء وتجسيد مبدأ العدل والديمقراطية والحرية.
كما نؤكد على ضرورة تفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة ورقابة السلطة التشريعية من أجل الحفاظ على المال العام وحمايته من الإسراف والتلاعب وإحالة جميع المخالفات المالية والإدارية في أي مرفق من مرافق الدولة إلى أجهزة النيابة والقضاء.
يا أبناء شعبنا الكريم:
لقد أكدت الجمهورية اليمنية الحرص على الانحياز للحوار والحلول السلمية لكافة القضايا والمشكلات التي تعكر أجواء الود بين الأشقاء والأصدقاء ورفض اللجوء إلى القوة والعنف، وسنظل متمسكين بهذا النهج داعمين لكل الجهود المبذولة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
وانطلاقاً من ذلك فقد سعت الجمهورية اليمنية إلى تمتين علاقاتها مع أشقائها وأصدقائها على أساس الاحترام المتبادل والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
وإننا في هذه المناسبة نعبر عن الارتياح لما تم التوصل إليه بين بلادنا والمملكة العربية السعودية الشقيقة بتوقيع مذكرة التفاهم التي مثلت بداية هامة لخطوات لاحقة من الحوار الأخوي الصادق بين البلدين الجارين اللذين تربطهما العقيدة وأواصر الإخاء والمصير الواحد، وفي إطار العمل العربي المشترك فإن الجمهورية اليمنية تدعو كافة الأشقاء إلى تجاوز الخلافات وطي تلك الصفحة السوداء في مسار العلاقات العربية العربية. والعمل من أجل تفعيل دور جامعة الدول العربية بيت العرب جميعا لكي تنهض بواجباتها في خدمة التضامن العربي وقضايا الأمة التي يأتي في مقدمتها استعادة الحقوق العربية المشروعة في فلسطين وسوريا ولبنان في ظلِ سلامٍ عادلٍ وشامل في المنطقة ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد التزام بلادنا بالوقوف إلى جانب أشقائها ومساندتها للقضايا العربية العادلة.
الأخوة المواطنون:
إننا ونحن نحتفل اليوم بهذه المناسبة الوطنية الجليلة فإننا نتذكر بمزيد من الوفاء والتقدير تلك التضحيات والعطاءات السخية التي قدمها المقاتلون الأبطال من أبناء قواتنا المسلحة والأمن الساهرين على أمن الوطن وسيادته واستقراره وصمام أمان الثورة والوحدة والديمقراطية والشرعية الدستورية.
إن القوات المسلحة والأمن وبما شهدته من عملية إصلاح وإعادة بناء وتطوير وبعد أن استكملت عملية الدمج في صفوفها على أسس وطنية وعلمية أصبحت أكثر من أي وقت مضى قادرة على الاضطلاع بواجباتها في الدفاع عن الوحدة وسيادة الوطن واستقلاله..وسنظل نوليها كل الاهتمام والرعاية لتعزيز قدراتها وتحسين أحوال منتسبيها وفاءً وتقديراً لما قدموه ويقدمونه من تضحيات وعطاء سخي من أجل الوطن والثورة والوحدة. كما لا ننسى في هذه اللحظة أن نقف إجلالاً واحتراماً لتلك الكوكبة من الشهداء الأبرار والمناضلين الذين أناروا بتضحياتهم السخية ونضالهم الباسل درب الثورة والحرية والاستقلال والوحدة..وشيدوا صرح اليمن الجديد الذي يعيش الجميع في ظله آمنين مطمئنين ونحيي بإعزاز وتقدير وإكبار كل من فقدت إبنها وكل طفل فقد أباه وكل أب فقد ابنه.. وكل زوجة فقدت زوجها.. وكل أخٍ فقد أخاه في تلك الملحمة الوطنية الكبرى.. ملحمة الدفاع عن الوحدة والشرعية الدستورية المتوجة بالنصر العظيم على الانفصاليين الخونة ومن تحالف معهم، فلهم منا جميعاً التحية والعرفان، ونعاهدهم بأننا على نفس الدرب والمبادئ التي ضحى من أجلها الشهداء سائرون. سائلين المولى العلي القدير أن يلهمنا التوفيق والسداد.. وأن يتغمد أرواح شهدائنا الأبرار بواسع رحمته.. وأن يسكنهم فسيح جناته. إنه سميع مجيب… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…