خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الفطر المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين الهادي إلى سبيل النجاة والنجاح واليقين
الأخوة المواطنون الأخوات المواطنات الأخوة المؤمنون في كل مكان، إنها لمناسبة جليلة أتوجه فيها إليكم جميعاً بالتهاني القلبية الصادقة بحلول عيد الفطر المبارك الذي جعله الله- بأيامه البهيجة المتميزة في حياة كل المؤمنين- محطة لتفريغ المشاعر الإيمانية وأداء كل الواجبات التعبدية والطاعة لله سبحانة وتعالى طمعاً في قبوله ورضاه وحسن الثواب والجزاء، وأبارك للجميع ما تحقق لهم من رصيد لايقدر في كتاب حسناتهم وما اشتملت عليه من رحمة الله ومغفرته وعنايته ورعايته وتجاوزه عن الهفوات في حياتهم إنه غفور رحيم وهو الغني الكريم. نعم أيها الإخوة المؤمنون، إن مما يزيد ثقة وعزم الإنسان المؤمن الممتثل لطاعة ربه والملتزم بأداء أوامره وتجنب نواهيه- أن يستقبل في أيامه أعياداً تتيح له التعبير عن الرضى والامتنان والحمد والشكر وطلباً للمزيد من التوفيق والرشاد وتعاظم النعم والحسنات ، وإن أيام عيد الفطر المبارك هي من تلك اللحظات الزمنية المقدسة التي توجب الفضائل الجمة التي حفل بها شهر رمضان المبارك وأن نودعه كما استقبلناه ونتطلع إلى لقائه، ومن الوفاء للتعاليم الحميدة في ديننا الإسلامي الحنيف أن نكرس ما استطعنا من الأوقات في أيام عيد الفطر المبارك في البر والمزيد من التقوى وفي أعمال المحبة والتراحم والتعاون والتكافل والمزيد من الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وزرع المحبة والمسرة في نفوسهم وإعانتهم بكل ما يمكنهم من تأمين حياتهم
وإنها لمناسبة نحث فيها الجميع في مجتمعنا على أداء الزكاة الواجبة عليهم للدولة باعتبارها صاحبة الولاية العامة وهي التي تضطلع بمسؤولياتها وأداء واجباتها إزاء أفراد المجتمع ورعاية الفقراء والمحتاجين عبر ما تقدمة من مشاريع الخدمات والإنماء وما تولية للمحتاجين والفقراء وغير القادرين على الكسب من رعاية سواء عبر معاشات الضمان أو شبكة الأمان الاجتماعي وغيرها إن الصدقات حق للفقراء على الأغنياء لقوله تعالى:(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وقوله سبحانه وتعالى :(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها). صدق الله العظيم.
إن للعيد السعيد أيها الأخوة والأخوات معانيه السامية المتصلة بالتكافل والتراحم والتزاور بين الأهل والجيران والأصحاب داخل كل قرية ومدينة ومجتمع في رباط الخير والبر والتعاون والتقوى وتجاوز الخلافات وبث روح التسامح والعفو والتصالح والسمو وذلك جوهر ما توجبه مكارم الأخلاق في تمامها الذي جسده الدين الإسلامي الحنيف وتعلمناه من نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم، فالإنسان المؤمن الذي وهبه الله نعمة الوجود وحصنه بالعقل والإرادة الحرة لا يمكن أن يعجز في شق طريق مستقيم في حياته وسلوكه وتعامله مع الآخرين ممن حوله لتحقيق معنى استخلافه العظيم له سبحانه وتعالى(فالدين المعاملة)
الإخوة المواطنون الأخوات المواطنات،
إن ما نعتز به في الجمهورية اليمنية وسنظل متمسكين به هو ذلك النهج الديمقراطي التعددي الذي التزمنا به وسيلة حضارية للبناء وصنع التقدم وإن الواجب الوطني يقتضي من الجميع في الساحة الوطنية أحزاباً وأفراداً العمل على كل ما من شأنه إعلاء مكانة اليمن بين الأمم وإثراء الديمقراطية بالممارسات المسؤولة والترفع فوق كل الصغائر والابتعاد عن كل ما يضر بالوطن ومصالحه العليا والحرص على تعميق الولاء للوطن أرضاً وإنساناً ثورة ووحدة وديمقراطية في إطار تجسيد شعار اليمن أولاً، وهذه مسؤولية الجميع دون استثناء ، كما أن الإساءة للوطن والإضرار بمصالحه بأي صورة كانت وتحت أي مبرر يعتبر خروجاً عن الثوابت الوطنية التي جسدها الدستور والقانون، فاليمن بلد التسامح والسلام يستنكر ويرفض التعصب والعنف والتطرف بكافة أشكاله وصوره وقد عانى كثيراً من تلك الأعمال التي ارتكبها بعض من انحرفوا عن جادة الحق والصواب وألحقوا بالوطن واقتصاده وسمعته وبمصالح المواطنين وأرزاقهم الضرر الكبير وفي هذه المناسبة نجدد الدعوة التي أطلقناها في مستهل هذا الشهر الكريم إلى أولئك الشباب من أبنائنا المغرر بهم الذين ذهبوا إلى أفغانستان أيام الحرب الباردة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبتمويل من دول المنطقة لمقارعة المد الشيوعي في أفغانستان أن يعودوا إلى جادة الصواب والإقلاع عن كافة الأعمال التي لا تضر بأي جهة أجنبية فحسب وإنما تضر في المقام الأول بهم وبوطنهم وتضر بالأمن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع، كما تلحق في الدرجة الأولى الضرر الأكبر بمعيشة الناس وأرزاقهم وأوضاعهم الاقتصادية وخاصة ذوي الدخل المحدود سواء كانوا مزارعين وعمال أو طلاب وطالبات أو أرامل وأيتام الذين يتضررون قبل غيرهم من ارتفاع الأسعار التي تسببها نتائج أعمال العنف اللامسؤولة والتي تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني وعلى الحركة التجارية بين بلادنا ودول العالم، فلقد تكبدت بلادنا خسائر مادية ومعنوية كبيرة من جراء الاعتداءات على ناقلة النفط الفرنسية في حضرموت وخسرت الخزينة العامة حوالي عشرين مليون دولار شهرياً كان يمكن توجيهها لتحسين أحوال الناس وخدمة التنمية كما أن على أولئك الشباب المغرر بهم عدم الانجرار وراء الدعايات المغرضة التي تضمر الشر لبلادنا ورفض الانسياق وراء تلك القوى والجهات سواء كانت محلية أو خارجية التي تحاول التغرير بهم واستغلالهم والتستر عليهم وتحريضهم على عدم الخضوع للنظام والقانون مستهدفين من ذلك تحقيق مكاسب سياسية من ورائهم، وإن على هؤلاء الشباب التفكير الجاد في إدراك حقيقة وجوهر الدين الحنيف وما يتصل بالواقع من حولهم والانخراط في مجتمعهم مواطنين صالحين ضمن النسيج الاجتماعي المتماسك والمتكافل الذي يشد بعضه بعضاً وليساهموا مع بقية إخوانهم في بناء الوطن وتقدمه وازدهاره ورسوخ أمنه واستقراره، فالجميع كما هم مسئولون عن بناء الوطن فهم مسؤولون أيضاً عن الدفاع عنه من كل الأخطار والدسائس كبيرة كانت أو صغيرة، وهم القوة القادرة على صد أي عدوان يمكن أن تتعرض له بلادنا للوقوف صفاً واحداً لحماية وصيانة سيادة الوطن وكرامته ومصالحه العليا على الدوام، لهم ما لغيرهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات التي كفلها الدستور لكافة أبناء الوطن وإنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة للجميع في الوطن وفي المقدمة القوى السياسية بمختلف توجهاتها إلى الاصطفاف في جبهة واحدة ورص الصفوف لمجابهة كافة التحديات ومنها تلك المتصلة بالأعمال التي أضرت بالوطن ومصالحه .
الأخوة المواطنون يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية إننا ونحن نحتفل بحلول عيد الفطر المبارك يجب أن لا ننسى إخواننا في فلسطين المحتلة الذين عاشوا الشهر الكريم وهم يرزحون تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الغاشم وتمارس ضدهم شتى أنواع البطش والقمع والإرهاب، وإنه لمن المؤسف والمحزن أن تتعثر كافة الجهود المبذولة من أجل توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني إزاء ما يتعرض له من حرب إبادة جماعية، وكم ظللنا في الجمهورية اليمنية نتطلع وما نزال بأن يضطلع المجتمع الدولي وفي المقدمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بمسئولياتها الأخلاقية والإنسانية إزاء معاناة الشعب الفلسطيني وما يواجهه من تهديدات خطيرة تمس كيانه ووجوده ومستقبله خاصة في ظل تسابق القيادات الصهيونية وتنافسها على إبادة الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه الإنسانية وسلبها
ولقد أكدنا مراراً بأن السلام العادل في المنطقة لا يأتي إلا من خلال استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المغتصبة وتمكينه من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وإنه حري بكل أبناء الأمة العربية والإسلامية تقديم المزيد من الدعم السياسي والمادي والمعنوي لإخوانهم الصامدين في فلسطين من أجل تعزيز صمودهم ونضالهم العادل وانتفاضتهم المباركة واسترداد حقوقهم المشروعة والدفاع عن المقدسات الدينية وهو واجب كل مسلم كما أننا نعبر عن الارتياح لقرار العراق الشقيق السماح بعودة المفتشين الدوليين لممارسة مهامهم طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ومنها القرار رقم (1441) متطلعين بأن تجد هذه الخطوة الإيجابية من جانب العراق ما يقابلها من التشجيع وبما يبعد عن المنطقة شبح التهديدات بالحرب والتي لن تؤدي سوى إلى إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة
وبما يكفل أيضاً إنهاء معاناة الشعب العراقي الشقيق نتيجة استمرار الحصار الجائر المفروض عليه منذ أكثر من 12 عاماً
الأخوة المواطنون الأعزاء،
إننا ونحن نحتفل مع سائر أبناء أمتنا العربية والإسلامية بهذه المناسبة السعيدة نسأل الخالق عز وجل أن يعيد هذه المناسبة الغالية على أمتنا وقد تحقق لها كل ما تتطلع اليه من الوئام والتضامن والتكامل والقوة والوحدة ومواجهة التحديات المفروضة عليها وبما يعزز اقتدارها وإمكانياتها لحماية وجودها ومصالحها وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه والازدهار لشعوبها.
إن واقع الحال والمنطق السليم يؤكدان على ضرورة التطلع الجاد إلى صياغة نظام عربي جديد وتقديم رؤى وأفكار جديدة تستفيد من أخطاء الماضي وعثراته وتستلهم المستقبل الأفضل وهذا يتطلب من كافة أبناء الأمة وفي المقدمة قادتها التحلي بأقصى درجات الصدق مع النفس والنظر للأمور بموضوعية والعمل الجاد والأمين لخدمة الأهداف العربية المشتركة وصولاً إلى تحقيقها وفق منهجية علمية وعملية تراعي الواقع العربي وتعقيداته ولا تقفز عليه، والعمل على إعادة بناء الثقة وترميم الجسور بين الأشقاء وبعضهم وإيجاد ميثاق شرف عربي يؤكد على تلك الأهداف والمبادئ القومية والقواسم المشتركة في مسيرة التلاحم والعمل العربي المشترك، والنظر إلى الأمن القومي كمنظومة واحدة متكاملة بين الأقطار العربية وبعضها بما يحقق المصالح المشتركة للجميع ويهيىء السبل لتعزيز التضامن والوحدة والتكامل بين أبناء الأمة
الأخوة المواطنون يا أبناء قواتنا المسلحة والأمن إن العيد هو أزكى المناسبات الإنسانية دينية كانت أم وطنية أو إنسانية وأقربها الى تطلع النفوس المتفائلة إلى المزيد من الخير والعطاء والاستزادة في توفير الابتهاج والسرور في ظل الأمان والسلم والاستقرار، وتوفر أهم وأغلى ضمانات الحياة المتنامية والمزدهرة، ولذلك وفي ظل هذه المناسبة يسعدني غاية السعادة أن أتوجه باسمي شخصياً ونيابة عن كل أبناء شعبنا الأبي الوفي المكافح الى أولئك الأبطال من أبناء قواتنا المسلحة بكل تشكيلاتها البرية والبحرية والجوية وقوات الأمن البواسل الذي يجسدون في أعمالهم وسلوكهم وأدائهم للواجب الوطني المقدس أصدق وأعظم صور الوفاء والالتزام في خدمة الشعب والسهر على المصالح الوطنية العليا وفي حراسة كل المنجزات والمكاسب الغالية في كل ربوع الوطن اليمني: سهوله وجباله ووديانه وجزره وعلى امتداد الشواطئ والصحراء، وفي كل الظروف والأحوال وبكل إخلاص ووفاء ونكران للذات، فلكل الضباط والصف والجنود في القوات المسلحة والأمن نتقدم بهذه التحية المستحقة مقرونة بالتهنئة الصادقة مؤكدين لهم بأن الوطن لا يمكن أن يكون إلا وفياً معهم مقدراً تقديراً عظيماً لدورهم وجسامة مسئولياتهم وبأنهم سيبقون دوماً في المكانة العالية المرموقة التي يستحقونها من الحفاوة والتقدير والرعاية والاهتمام وبأنه لا يمكن لأحد أن يزايد عليهم ومواقفهم الوطنية الناصعة أو يتطاول على مكانتهم ودورهم العظيم من أجل خدمة الوطن وأداء الواجب الوطني في كل الأوقات وتحت مختلف الظروف كيف لا وهم رمز الوحدة الوطنية والصخرة التي تحطمت عليها كافة مؤامرات وأوهام كل من أساؤوا للوطن ومؤسسته الدفاعية والأمنية الشامخة أو الذين يريدون السوء بالوطن من خلال محاولة النيل من أمنه واستقراره وسيادته واستقلاله فكل المقاتلين الأشاوس من أبطال القوات المسلحة والأمن التحية والتقدير والوفاء
ختاماً: نكرر التهنئة للجميع، سائلين الله العزيز القدير أن يسدد خطانا جميعاً في الدرب المشرق الوضاء الذي اختاره لنا سبحانه وتعالى لخدمة الوطن والشعب والأمة
إنه سميع مجيب. عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.