خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة العيد الوطني الـ14 للجمهورية اليمنية/22مايو 2004م

وجه فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح الجمهورية مساء اليوم بيانا سياسيا هاما إلى أبناء الشعب اليمني في داخل الوطن وبلدان المهجر بمناسبة العيد الوطني الـ14 للجمهورية اليمنية تناول فيه أهم القضايا المحلية والعربية والدولية وفيما يلى نص البيان.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين الإخوة المواطنون الأعزاء.. في الداخل والخارج. أحييكم بتحية الحرية والديمقراطية والوحدة.. وأهنئكم بحلول العيد الوطني الرابع عشر لقيام الجمهورية اليمنية والتي ارتفعت راياتها خفاقة شامخة في الـ22 من مايو عام 1990م ليحقق شعبنا بذلك اعظم إنجازاته الوطنية والوفاء لتضحيات شهدائه الأبرار.
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
يأتي احتفالنا بهذا العيد في ظل إنجازات وطنية عظيمة وتحولات عميقة وتحديات صعبة شهدها الوطن على مدى الـ14 عاماً منذ أن أعاد شعبنا تحقيق وحدته ورسخ جذورها بتضحياته الغالية والجسيمة. وان أفراح شعبنا بهذه المناسبة الوطنية الغالية تتعاظم في كل عام بفضل ما يتحقق للوطن من مكاسب وإنجازات تاريخية هامة على مختلف الأصعدة السياسية والديمقراطية والتنموية والاجتماعية والثقافية وغيرها. يا أبناء شعبنا العظيم.. لقد تمكنت بلادنا وبحمد الله وبفضل تعاون كل أبناء الشعب الأوفياء وقواه السياسية والاجتماعية الخيّرة قطع أشواط كبيرة على درب البناء والتنمية والتقدم.. خاصة منذ نهاية حرب صيف 1994م التي تم إغلاق ملفاتها بقناعة وطنية، وتم إعلان العفو العام وتجاوز كافة الآثار الناجمة عنها، وعلى مختلف الأصعدة، وقد عاد إلى الوطن معظم من كانوا في الخارج وتم اتخاذ كافة الخطوات الكفيلة بمعالجة أوضاعهم وممتلكاتهم وترتيب الأعمال لهم بحسب مؤهلاتهم وكفاءاتهم، فالوطن يتسع للجميع، ونحن على ثقة بان كل أبناء الوطن الشرفاء سوف يكونون عند مستوى المسئولية ولما يحقق مصلحة الوطن وازدهاره. كما ستتواصل بأذن الله الجهود من أجل إنجاز المزيد من المشاريع الخدمية والتنموية التي تحقق منها الكثير للوطن وفي مقدمتها ما تحقق في مجال شبكة الطرقات الحديثة التي تبلغ أطوالها حوالي عشرة آلاف كيلومتراً والتي تربط أجزاء الوطن بعضه ببعض وسهلت إيصال المشاريع الخدمية إلى كل المناطق. وكذا في مجال بناء السدود والحواجز المائية حيث تم إنجاز حوالي (1250) منشأة مائية ويجري حالياً تنفيذ أكثر من (600) منشأة، بالإضافة إلى ما تحقق في مجال التعليم ونوجه الحكومة بإعطاء الأولوية في التوسع في التعليم الفني والمهني وكليات المجتمع وبما يخدم التنمية.. ووضع الضوابط الكفيلة بالإشراف الفاعل على التعليم الأهلي والخاص في كافة المراحل والتخصصات، والإسراع في إنجاز التشريعات الخاصة بهما من قبل السلطة التشريعية.. وندعو القائمين على مؤسسات التعليم الأهلي والخاص التعاون والتعامل بشفافية في هذا الجانب ولما فيه المصلحة الوطنية. كما ان على الحكومة تنفيذ كافة الأهداف والغايات التي تضمنتها خطط التنمية وفي مقدمتها الخطة الخمسية الثانية.. ومواصلة تنفيذ عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري لتكون متلازمة مع جهود مكافحة الفساد واستئصاله.. وشن حرب شعواء على الفاسدين والمفسدين أينما كانوا، فلا مكان للفساد والفاسدين، ونؤكد على ضرورة الإسراع في إقرار المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد. كما على السلطة التشريعية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الاضطلاع بمسئوليتهما الرقابية ومحاسبة الفاسدين مع توخي الدقة والمعلومات الصحيحة والابتعاد عن المكايدات، وينبغي على من تناط بهم هذه المسئولية ان يكونوا قدوة حسنة في الاستقامة والنزاهة. ونوجه الحكومة الاهتمام بجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية وبخاصة تلك التي تستوعب اكبر قدر من الأيادي العاملة وتحد من البطالة، وكذا الاهتمام بتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، والرعاية الاجتماعية، ومكافحة الفقر، والاهتمام بسرعة تنفيذ مشروع توليد الطاقة الكهربائية بالغاز وبقدرة 3000ميجاوات خلال الفترة القادمة وحتى عام 2007م وبحيث تلبي الاحتياجات المتزايدة سواء في المجال الصناعي أو في التخفيف على المزارعين من استخدام الوقود واستبداله بالطاقة الكهربائية وبأسعار مناسبة. كما يجب الاهتمام بتطوير مصانع الأسمنت الحكومية القائمة حالياً في كل من عمران والمفرق بتعز وباجل.. ورفع طاقتها الإنتاجية إلى ثلاثة ملايين طن وتقديم التسهيلات اللازمة للمصانع الجديدة والتي سوف يقوم القطاع الخاص بإنشائها في كل من باتيس بطاقة سبعمائة وخمسين ألف طن بمحافظة ابين وفي حضرموت بطاقة مليون طن قابل للزيادة، وفي مديرية ردفان محافظة لحج بطاقة ثمانمائة وخمسين ألف طن.. بحيث تصل الطاقة الإنتاجية لتلك المصانع جميعاً إلى خمسة مليون وخمسمائة ألف طن في عام 2007م. إن همنا اليوم هو التنمية وبناء الاقتصاد الوطني، ولهذا فإنه وخلال الاحتفال بهذا العيد سوف يتم افتتاح ووضع حجر الأساس لعدد (2237) مشروعاً وبتكلفة تبلغ حوالي (215) مليار ريال. وبهذه المناسبة نعلن عن زيادة المرتبات والأجور للعاملين في الجهاز المدني ومنتسبي القوات المسلحة والأمن بنسبة 40% للفئات الأدنى و20% للفئات الأعلى.
الإخوة المواطنون الكرام.. لقد اقترن قيام الجمهورية اليمنية بالديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية.. وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتحققت أوسع عملية إصلاح سياسي في بلادنا.. سواء من خلال تجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة وإجراء الانتخابات الحرة البرلمانية والرئاسية والمحلية، أو في إقامة المؤسسات الدستورية، وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، ومشاركة المرأة، وحرية الرأي والصحافة، واحترام حقوق الإنسان. ولقد كان اختيارنا للنهج الديمقراطي نابعاً من إيماننا بان الديمقراطية هي خيار العصر وأساس البناء والتقدم والتجسيد الصادق لحكم الشعب نفسه بنفسه، فالوطن كبر بوحدته ونهجه الديمقراطي.. وتعززت مكانته ودوره على مختلف الأصعدة الإقليمية والقومية والدولية، ومن هذا المنطلق فقد احتضنت بلادنا العديد من المؤتمرات والفعاليات الديمقراطية وفي مقدمتها مؤتمر الديمقراطيات الناشئة، ومؤتمر صنعاء للديمقراطية وحقوق الإنسان ودور محكمة الجنايات الدولية، وكذا مؤتمر رابطة الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في الوطن العربي وإفريقيا، مما أوجد لبلادنا حضوراً عالمياً غير مسبوق، وجاء “إعلان صنعاء” ليؤكد على مبدأ تعزيز الديمقراطية، وتوسيع المشاركة الشعبية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، واحترام حقوق الإنسان، ومد جسور الحوار والتواصل والتفاهم بين الأديان والحضارات، وقدم إعلان صنعاء رؤية موضوعية متكاملة تمثل اليوم مرتكزاً رئيسياً للإصلاحات السياسية والديمقراطية المطروحة في المنطقة. وإننا في الجمهورية اليمنية نرحب بالإصلاحات التي تكفل تعزيز الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار.. وبحيث تكون نابعة من إرادة الشعوب ومنسجمة مع خصوصيتها وملبية لطموحاتها. وإنها لمناسبة ندعو فيها الجميع في الوطن وفي المقدمة الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى إثراء الديمقراطية بالمزيد من الممارسة الديمقراطية المسؤولة في إطار الالتزام بالدستور والقوانين النافذة والثوابت الوطنية بعيداً عن المكايدات الضارة بالوطن. كما ندعو إلى التصدي لكافة الظواهر السلبية المعيقة لجهود البناء والتنمية، وبهذا الصدد نعبر عن ارتياحنا وتقديرنا للاستجابة الواعية من قبل أبناء شعبنا لدعوتنا لعقد صلح عام لإنهاء ظاهرة الثار وعلى اللجنة العليا التي تم تشكيلها سرعة إنجاز مهامها ولكي يتفرغ الجميع للتنمية. الاخوة المواطنون الكرام.. إننا في هذه المناسبة الوطنية المجيدة نتقدم باسمكم بالتحية والتقدير إلى أبناء قواتنا المسلحة والأمن البواسل الذين بفضل تضحياتهم تتعاظم المكاسب والمنجزات وتصان سيادة الوطن واستقلاله ويترسخ الامن والاستقرار والسلام الاجتماعي. وإننا نشعر بالارتياح والاعتزاز إزاء ما قطعته مسيرة البناء والتحديث في هذه المؤسسة الوطنية الرائدة من شوط متقدم على درب تعزيز القدرة الدفاعية والأمنية. كما نثمن ما تحقق من نتائج إيجابية لخطة الانتشار الأمني في مختلف أنحاء الجمهورية على صعيد ترسيخ الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة، وسنولي القوات المسلحة والأمن ومنتسبيها كل الرعاية والاهتمام وفاء لتضحياتهم وعطاءاتهم من اجل الوطن وأداء الواجب. يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. تنعقد القمة العربية في ظل ظروف بالغة الخطورة.. وفي ظل تحديات كبيرة تواجهها الأمة.. وهو ما ينبغي على القمة الخروج برؤية عربية مشتركة قادرة على استلهام مصالح الأمة ومجابهة العواصف والتحديات الراهنة. وإن الجمهورية اليمنية وانطلاقاً من شعورها بمسؤوليتها القومية، وإيماناً منها بوحدة الأمة ومصيرها المشترك تقدمت بمبادرة لإصلاح النظام العربي من أجل معالجة الخلل القائم في العمل العربي المشترك، مستفيدةً من كافة الأفكار والمبادرات التي قدمت من العديد من الأشقاء ومن تجارب الغير سواء في الاتحاد الأوروبي أو افريقيا أو غيرها. وإن قيام اتحاد للدول العربية يمثل ضرورةً قومية من أجل تفعيل العمل العربي المشترك، وتعزيز قدرات الأمة على مجابهة المخاطر التي تحيط بها.. وحيث إنه في ظل غياب التضامن والتكامل والوحدة ستظل الأمة نهباً للأطماع. يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. إن التصعيد الإسرائيلي الخطير وممارسة القمع وإرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل يمثل تحدياً لأمتنا العربية والإسلامية وإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولذلك فإننا في الجمهورية اليمنية وفي إطار رؤيتنا لحل الصراع العربي الإسرائيلي التي قدمناها للأشقاء والأصدقاء نرى ضرورة تفعيل دور اللجنة الرباعية لتنفيذ خارطة الطريق.. استناداً الى قرارات الشرعية الدولية وضم الجامعة العربية إلى اللجنة الرباعية، واعتبار مبادرة السلام العربية جزءاً مكملاً لخارطة الطريق، وسرعة إرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني، من الصلف الصهيوني، وإلزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بإعلان هدنة بينهما بقرار من الأمم المتحدة وبما يكفل تنفيذ خارطة الطريق وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي المقدمة القرار 242 و338 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحل مشكلة اللاجئين، والعمل على إزالة الجدار العازل العنصري، والبدء في إعادة أعمار فلسطين وبناء أجهزة الدولة وبالذات الأجهزة الأمنية، وعلى الجامعة العربية مساعدة الشعب الفلسطيني على بناء مؤسساته في إطار وطني يضمن مشاركة الجميع، والعمل من أجل توحيد جهود ومواقف فصائل العمل الوطني الفلسطيني وبما يدعم صمود الشعب الفلسطيني ويعزز من وحدته الوطنية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية واللبنانية المحتلة تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفي المقدمة إسرائيل.. وعقد مؤتمر دولي للسلام في المنطقة. وفيما يتعلق بالأوضاع المتدهورة في العراق فإننا نشعر بالألم لما يعانيه الشعب العراقي الشقيق في ظل الاحتلال، وقد قدمنا في الجمهورية اليمنية رؤية لإحلال الأمن والاستقرار في العراق تقوم على التالي: – تتولى الأمم المتحدة إلى جانب الجامعة العربية والسلطة العراقية مسؤولية إنهاء الاحتلال وانسحاب القوات الأجنبية من العراق وبما يضمن وحدة وسلامة أراضي العراق. – وضع خطة أمنية لإعادة الأمن والاستقرار وإرسال قوات دولية إلى العراق تحت إشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية. – تشكيل جمعية وطنية تمثل كافة القوى الوطنية والطوائف لصياغة الدستور العراقي تحت إشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. – إجراء انتخابات عامة حره وديمقراطية وبناء عراق ديمقراطي موحد ومستقل.
الإخوة المواطنون الكرام.. إن العالم يعاني اليوم من تزايد ظاهرة الإرهاب التي تمثل آفة دولية خطيرة تهدد الأمن والاستقرار والسلام، ونحن في الجمهورية اليمنية نجدد إدانتنا لكافة أعمال الإرهاب أينما كانت، وندعو إلى تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل استئصال هذه الظاهرة، وإزالة أسبابها التي تؤدي إلى تناميها، فلقد برهنت التجارب بأن القوة لا تمثل الوسيلة الوحيدة الناجحة لمحاربة الإرهاب، فالحوار أيضاً وسيلة مهمة في هذا الجانب، وعلى العلماء الاضطلاع بدورهم في توعية الشباب وتحصينهم من الأفكار المضللة التي تؤدي إلى التطرف وممارسة الإرهاب. يا أبناء شعبنا اليمني العظيم في هذه اللحظة التاريخية يدخل وطننا الغالي وطن الـ22 من مايو العظيم إلى رحاب عام جديد ليواصل السير على درب البناء والتقدم. وإنها لمناسبة نعبر فيها عن التقدير لكل الذين يعملون بتفانِ وإخلاص ويتحملون المسئولية في كافة المواقع ويحرصون على تعزيز المكتسبات والمنجزات الوطنية. سائلين الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير الوطن والأمة، وان يتغمد أرواح شهدائنا الأبرار بواسع رحمته، وان يسكنهم فسيح جناته.. انه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وكل عام وانتم بخير