رئيس الجمهورية يوجه خطابا بمناسبة عيد الأضحى المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين مَنْ له النعمة والملك الواحد الأحد والمعبود الصمد،
والصلاة والسلام على المبلغ لأكمل رسالات الدين محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير .
الأخوة المواطنون الأعزاء الأخوات المواطنات العزيزات، المؤمنون والمؤمنات في كل أرجاء المعمورة في هذه اللحظات الإيمانية المتجلية بأعظم أعمال ومظاهر الخضوع والخشوع لله سبحانه وتعالى والتعبد الصادق والخالص له جلت قدرته وتنزهت صفاته وتقدست وحدانيته، ومن رحاب بيت الله الحرام يسرني أن أتوجه إليكم وإلى كل أبناء أمتنا بأجمل التهاني والتبريكات من رحاب عرفات الله بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك جعله الله محطة فوز وسرور واستبشار وتعاظم خير وبر وإحسان ومنطلقاً جديداً للتقدم والازدهار لشعبنا وبلادنا وأمتنا العربية والإسلامية ولكل المؤمنين والمؤمنات إنه سميع مجيب فذلك هو ما يوحي به ويؤكد عليه وعلى الإيمان والتصديق به جلال ومشهد الوقوف في هذا اليوم العظيم المتميز التاسع من ذي الحجة اليوم المشرق بأروع مشاعر الابتهاج في الوصول لجوهر حلقات مناسك الحج وهو الوقوف بعرفات الله لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة” وهي المشاعر التي لا يمكن استيعابها بدون إمعان النظر والتأمل في معنى هذا الاحتشاد الإنساني المنقطع النظير في طاعة الله في هذه البقاع المقدسة تحت راية التوحيد وفوق صراط العبودية الخالصة والصادقة لله سبحانه وتعالى كما تعبر عنها الأعمال والكلمات ونبضات القلوب المشرئبة إلى رضوان الله وقبول الهجرة إليه في فريضة هامة هي واحدة من الأركان الخمسة التي قام عليها الإسلام، كما أنها من أقدم التكاليف السماوية التي بلغ بها الأنبياء والمرسلون قال تعالى في محكم كتابه: “وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق”. فالحج فرض ثابت على كل مسلم ومسلمة وذلك بزيارة المسجد الحرام بيت الله العتيق على الوجه المشروع من التعظيم والتقديس والإجلال وفي الوقت المخصوص المحدد وبالقيام بأعمال المناسك والشعائر الموضحة لمرة واحدة في العمر كله ولمن توفرت فيه شروط القدرة والاستطاعة.
الأخوة المؤمنون الأخوات المؤمنات: إن هذه الوحدة المتجسدة على صعيد جبل عرفات في الرحاب الطاهرة المباركة والتي تجمع الملايين من المسلمين القادمين من كل جهات الأرض ليقفوا في هذا المقام البشري الواحد في معنى الإيمان والمتعدد في فطرة وحقيقة الأجناس واللغات والألوان من كل بني الإنسان إنما يصور عظمة الدين الإسلامي الحنيف وقوة مكوناته وسمو وجاذبية رسالته
وحقيقة إنسانيته ورسوخ الخير فيه وفي قيمه وتعاليمه العليا السامية
الأمر الذي يجب أن يدفع كل المسلمين إلى التمسك به وبمعنى هذه الوحدة الماثلة أمامهم ليجسدوها في حياتهم وفي كل مواقفهم وأعمالهم وليكونوا في حصانة تجاه كل المخاطر التي تتهددهم وفي منعة منها وليتجاوزوا واقع الضعف والتمزق والتخاذل الذي جعل الكثير من أقطارهم في متناول العدوان أو رهينة التهديد والتخويف والاستلاب وليتمكنوا من تحقيق التكافل والتعاضد والتناصر في كافة مجالات التعاون والبناء والتطوير وامتلاك أقصى القدرات لتحقيق أمانيهم الحضارية والدفاع عن أمتهم وسيادتها ومقدساتها في كل الظروف والأحوال ومن أين جاء العدوان وفي مقدمة ذلك توحدهم من أجل استرجاع كافة الحقوق المغتصبة في فلسطين السليبة وامتلاك الأمة العربية والإسلامية لمصيرها في يدها لتبقى جديرة بأداء رسالتها الإنسانية السامية.
أيها الأخوة والأخوات:
إنه لمن المحزن والمؤلم أن يحل هذا العيد وإخواننا في فلسطين المحتلة يواجهون أبشع أنواع البطش والتنكيل والإرهاب من قبل قوات الاحتلال الصهيوني وتتصاعد وتيرة العدوان ضد أبناء الشعب الفلسطيني في ظل صمت العالم وانشغاله بالحشود العسكرية التي تتوافد على المنطقة في إطار التحضيرات الجارية والتهديدات بشن الحرب التي لا مبرر لها ضد العراق الشقيق ولقد طالبنا في الجمهورية اليمنية مراراً بضرورة إرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني مما يتعرض له من حرب إبادة جماعية، وأكدنا ونؤكد مجدداً رفضنا القيام بأي عمل عسكري ضد العراق أو أي قطر شقيق آخر أو التدخل في الشؤون الداخلية للعراق من قبل أي طرف كان إقليمياً أو دولياً والحديث عن تغيير النظام في العراق أو فرض قيادة على الشعب العراقي من قبل أي جهة يمثل خطوة غير مسؤولة وسابقة خطيرة تخالف الأعراف والقوانين الدولية والمبادئ والقيم الأخلاقية ولن تؤدي سوى إلى إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم وإن من المنطق السليم إعطاء الفرصة الكافية للمفتشين الدوليين خاصة وقد أكد العراق التزامه بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار (1441) وحيث تواصل فرق التفتيش مهامها بفعالية داخل العراق وفي ظل تعاون عراقي كبير معهم وإذا ما كان هناك لدى أي دولة سواءً الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها براهين مؤكدة وأدلة دامغة على وجود أي نوع من أسلحة الدمار الشامل لدى العراق فإن عليها تقديم ذلك للمفتشين الذين عليهم التأكد من مصداقية تلك الأدلة وممارسة مهامهم بحيادية ونزاهة وبعيدا عن أية استفزازات أو ضغوط ومن المهم السعي الجاد والمخلص لحل الأزمة الراهنة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال مؤسسات الشرعية الدولية لتجنيب المنطقة أية عواقب غير حميدة فالحرب لن تولد سوى الأخطار والعداوات والضغائن وتتأثر بها الأجيال وتصبح إرثاً ثقيلاً تتوارثها في حين ينبغي أن يكون السلام والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم هو الإرث الذي ينبغي أن تتوارثه الأجيال فيما بينها وأن من المهم البحث عن الحلول السلمية للخروج من هذه الأزمة وإزالة حالة الاحتقان في الوضع الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي والتي تتعاظم مع العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني والذي اتخذ مسارات تصعيدية في ممارسة الإرهاب والتنكيل والإبادة خاصة بعد فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة أرئيل شارون مستغلاً توجه أنظار الرأي العام الدولي إلى الوضع القابل للانفجار في أية لحظة في المنطقة يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.
إن واقع الضعف والشتات والتشرذم في صفوف الأمة قد فرض الكثير من التحديات الجدية والخطيرة التي تهدد مصيرها ومستقبلها وأن لا سبيل لتجاوز ذلك الواقع إلا بنبذ الخلافات وتعزيز التضامن ووحدة الصف والتلاحم لتحشد في ظله الطاقات والإمكانيات وتعزز القدرات على مجابهة التحديات وكل أشكال التطرف التي تضر بمصالح الأمة العربية والإسلامية واستشراف آفاق مستقبلية أفضل ولقد حان الوقت لأن يدرك ذلك الجميع في وطننا العربي والإسلامي بأن الأخطار تحدق بهم دون استثناء وأن عليهم جميعاً أن يكونوا معاً في استلهام مصلحة الأمة وما ينبغي القيام به لمواجهة التحديات وثبات الوجود والتأثير الإيجابي في مجريات الأحداث الجارية ولما فيه خير الجميع.
الأخوة المواطنون الأخوات المواطنات:
إن العالم الذي عانى وما يزال يعاني من الإرهاب واحتشد في جبهة واحدة لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الأمن والاستقرار والسلام الدولي ليدرك بأن استئصال الإرهاب وتجفيف منابعه يتطلب المزيد من تضافر الجهود والمعالجات الحكيمة التي تستهدف في المقام الأول إزالة تلك البؤر والمناخات التي تشجع على التطرف والإرهاب أو تعطي المتطرفين والإرهابيين التبريرات والذرائع الباطلة لممارسة أعمالهم المستهجنة والمرفوضة من كل الشرائع الدينية والقيم الإنسانية والأخلاقية، فالفطرة الإنسانية السوية جبلت على حب الخير والسلام والأمن والاستقرار وإن قتل النفس التي حرم الله أو إشاعة الخراب والدمار جريمة لا يمكن تبريرها بأية صورة من الصور واليمن بلد الإيمان والحكمة والتسامح والسلام الذي عانى أيضاً من تلك الأعمال الإرهابية التي ارتكبها البعض ممن انحرفوا عن جادة الحق والصواب وألحقوا بالوطن واقتصاده وسمعته ومصالح المواطنين وأرزاقهم الضرر الكبير إننا نؤكد مراراً رفضنا واستنكارنا لكل أشكال التعصب والغلو والتطرف والعنف والإرهاب مهما كان مصدرها أو منابعها السياسية والفكرية والدينية باعتبار ذلك سلوك إجرامي يدينه أبناء شعبنا المسلم وينبذون مرتكبيه أيا كانوا وهو يتنافى مع جوهر عقيدتنا الإسلامية السمحاء ومبادئ شعبنا اليمني وقيمه وأخلاقه الأصيلة وأنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة لأولئك النفر المتطرف إلى التوبة إلى الله والرجوع عما هم فيه من الغلو والتطرف والتعصب والعودة إلى جادة الحق والصواب ومعرفة مقاصد الشريعة المحمدية السمحة وأن يجعلوا من الاعتدال منهجاً لهم في حياتهم فباب التوبة مفتوح أمام الجميع والعودة إلى الحق فضيلة كما ندعو العلماء والمثقفين وصناع الكلمة وكل الخيرين في الوطن إلى الاضطلاع بدورهم وواجبهم في التوعية والنصح والإرشاد وتبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم بالحكمة واللين والرفق تطبيقاً لقوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”. صدق الله العظيم كما ندعو الجميع أفراداً وأحزاباً إلى التعاضد والتلاحم والاصطفاف في جبهة واحدة على قاعدة الثوابت الوطنية والقواسم المشتركة والأهداف والغايات النبيلة لمواجهة كافة التحديات وخدمة الوطن ورعاية مصالحه كل في ميدانه وموقعه ولما فيه خير ومصلحة الجميع فالأمن للجميع وهو مسئوليتنا جميعاً وبناء الوطن ونهضته وازدهاره مسئولية كل أبنائه دون استثناء
وإن من المهم أن يبتعد الجميع عن كل أشكال المزايدات والمكايدات والتي لا خير يرتجى منها للوطن وأبنائه الأخوة المؤمنون الأخوات المؤمنات:
إن الاحتفال بعيد الأضحى المبارك وإظهار مشاعر الابتهاج بأيامه والحرص على تجسيد قيم المحبة والتراحم والتزاور والتكافل فيها ترابطاً مع نحر الأضاحي تعبر عن عمق الإيمان والالتزام بواجبات وشعائر ديننا الحنيف والامتنان لله سبحانه وتعالى على نعمه وتمكينه لعباده في إقامة ركن هام من أركان الدين وأن أعمال التضحية التعبدية هي إذكاء مقصود لروح التضحية والفداء في سبيل أداء المسئوليات الحياتية الغالية في الدفاع عن الحرمات والمقدسات وفي البذل والعطاء من أجل تقدم وازدهار الحياة ومواجهة كل أشكال المخاطر والتحديات بداية من الالتزام بأداء التكاليف والواجبات وإننا عندما نذكر رسالة الدين الإسلامي الحنيف إنما نعبر عن إيماننا بعدالتها وخيرها وجوهرها الصافي النقي ومقصدها الإلهي السامي المحقق لمصلحة البشر وسعادتهم وأمنهم وسلامتهم لأنها تقوم على الإخاء والمحبة والمساواة وعلى الوسطية والتسامح والقبول بالآخر والإيمان والالتزام بواجب التعاون والتعايش السلمي والتفاني في القيام بأعمال البر والتقوى والحرص على المعاملة الحسنة وتجسيد مكارم الأخلاق التي هي جوهر تعاليم كل الشرائع السماوية التي جاء المصطفى عليه الصلاة والسلام ليتممها ويبلغ بها في أكمل صورها وجسدها في أقواله وسيرته المنيرة الطاهرة.
الأخوة المواطنون الأعزاء الأخوات المواطنات العزيزات:
أكرر تهنئتي القلبية الصادقة وأبارك لكم ولكل الأخوة والأخوات ضيوف الرحمن بأفراح العيد المبارك راجياً أن يكون حج الجميع مقبولاً ومبروراً وأخص هنا بالتهنئة الأخوة الجنود والصف والضباط والقادة في القوات المسلحة والأمن الذين هم حصن الأمان والإيمان والمثال الرائع والصادق في أداء الواجب والالتزام وتجسيد قيم البذل والتضحية والعطاء في كل المواقع في كل أرجاء البلاد من أجل صيانة الحياة وحراسة منجزاتها ومكتسباتها العظيمة والمشاركة في عمليات التنمية والبناء بكل حماس وإخلاص ونكران للذات وفي كل وقت وحين نردد ما وجهنا بالدعاء به في مثل هذا الموقف الكريم نبينا المعلم العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم “الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده” (وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). عيد سعيد
وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.