رئيس مجلس الرئاسة في بيانه السياسي بمناسبة العيد ال31 لثورة 26 سبتمبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين..
الأخوة المواطنون الأحرار أحييكم تحية الثورة الظافرة تحية الحرية والديمقراطية والوحدة، إنها لسعادة بالغة أن نلتقي مجدداً في هذه المناسبة العظيمة التي يحتفل فيها شعبنا بأعياد الثورة اليمنية الخالدة.. العيد الحادي والثلاثين لثورة الـ 26 من سبتمبر والعيد الثلاثين لثورة الـ 14 من أكتوبر التي تعودنا على مدار السنوات الماضية أن نلتقي فيها لقاءً يجسد الوفاء لقيم الثورة ومبادئها..
وبهذه المناسبة أزف إليكم أجمل التهاني وأصدق التمنيات باسمي شخصياً وباسم الإخوة أعضاء مجلس الرئاسة وأبارك لكم تواصل الأفراح والابتهاج بالأعياد الوطنية.. التي هي أعياد انتصار الإنسان اليمني لحياته الحرة الكريمة..
لقد توجت انتصارات الثورة بقيام الجمهورية اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م وفاء لنضالات شعبنا وتضحيات شهدائه الأبرار عبر مسار الحركة الوطنية وتلاحم النضال الوطني من أجل الانتصار للإرادة الوطنية..
الأخوة المواطنون الأوفياء:
إننا ندخل رحاب عام جديد من عمر الثورة اليمنية بعد أن خاض شعبنا الانتخابات النيابية التي جرت في الـ 27 من أبريل الماضي على أساس التعددية الحزبية وفي ظل النهج الديمقراطي الرديف للوحدة، وأنظار الكثيرين كانت تتجه نحوه بينما كانت المنافسة على أشدها والقليل هم الذين توقعوا لبلادنا عبور النهر بسلام بينما انتظر البعض أن يتمزق شعبنا أشلاء متناثرة، وسواء كان هؤلاء أصدقاء يسكنهم الخوف على مصيرنا الذي توقعوه أو الذين انتظروا بفرح أن نفشل. فان أصالة هذا الشعب العظيم أثبتت عكس كل التوقعات، أما نحن فقد كنا على بينة من أمرنا وكنا ندرك صلابة وأصالة شعبنا ولم نكن نهتم بالحزب أو الأحزاب التي ستحرز الأغلبية كان همنا أولاً وأخيراً أن تنجح التجربة وأن تنجح اليمن.. وبالفعل نجحت التجربة وسلمنا جميعا بنتائج الانتخابات واحترام إرادة الشعب في تجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة وكانت تجربة الائتلاف الحكومي تجربة وطنية فريدة جاءت من مقتضيات المصلحة الوطنية العليا.. ومن خصوصيات الواقع اليمني ونالت إعجاب الكثيرين في العالم الذين رأوا فيها تجسيداً للحكمة اليمانية وتعبيراً عن المسؤولية الوطنية والحرص على مصلحة اليمن ووضعها فوق كل اعتبار، وإنها لمناسبة نجدد فيها الترحيب بالمعارضة الوطنية القوية التي نؤمن بأنها أساس النظام الديمقراطي والوجه الآخر له ومنه تستمد شرعية وجودها، فلا معارضة في ظل نظام ديكتاتوري أو استبدادي قمعي، ولا ديمقراطية صحيحة دون معارضة قوية مسؤولة تستند إلى القيم الدينية والمبادئ الوطنية والمثل الرفيعة التي حكم مسار العلاقات بين الجميع.. ونحن ندعو المعارضة للوقوف مع حكومة الائتلاف في إطار الثوابت والقواسم المشتركة وأن تسهم في معالجة الاختلالات وتصحيح الأخطاء وبما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا.. ومن رؤيتها وشخصيتها الوطنية المستقلة.. إن السبيل للتغلب على كافة الصعاب والتحديات التي تواجه مسيرة البناء في بلادنا هو العمل بروح الفريق الواحد واعتماد مبدأ الحوار السلمي الديمقراطي أسلوبا حضارياً لإزالة كل التباينات على أساس القواسم المشتركة ومعالجة كافة القضايا التي تهم وطننا وتقدمه ونهضته وأن يكون الاهتمام بالبناء أولاً وأخيراً وأن يتنافس الجميع من أجل مصلحة اليمن وأن يكون الاختلاف والاتفاق من أجل اليمن، فالوطن هو الأبقى أما الأفراد فزائلون.. وعلى جميع أبناء شعبنا أن يحشدوا كل جهودهم وأن يفجروا طاقاتهم الخلاقة وأن يكونوا يداً واحدة ويعملوا معاً من أجل محاربة الفساد والفاسدين ومواجهة روح الانهزام التي تفرزها القوى المعادية للوحدة والديمقراطية والوقوف بحزم ووعى لإفشال كل مخططاتها ومحاولاتها الرامية إلى شق الصف الوطني..
الأخوة المواطنون :
إن معركة المستقبل ليست سهلة، فشعبنا يواجه تحديات التنمية وإزالة آثار التخلف ويخوض هذه المعركة بإمكانياته الشحيحة، رغم كل الجهود المبذولة لتطوير مواردنا الذاتية، إضافة لذلك فإن أبرز المشكلات التي نواجهها كمجتمع نام التضخم وزيادة معدلات النمو السكاني الأمر الذي يتطلب زيادة الإنفاق على الغذاء والكساء والتعليم والصحة والإسكان والكهرباء والمياه وغير ذلك من السلع والخدمات الضرورية التي لابد من توفيرها في مجتمعنا.. ولا يخفى على أحد منا الأثر السلبي لارتفاع الأسعار وزيادة السكان على معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني، لذلك فإن الحكومة قد التزمت أمام السلطة التشريعية بتقديم برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والذي لن يكتب له النجاح ما لم يحظَ بدعم مؤسسات الدولة وبمباركة المجتمع، إضافةً إلى إن الجامعات والمدارس والمعاهد الفنية تكتظ اليوم بمئات الآلاف من أبنائنا الدارسين والدارسات والجميع مطالبون حكومة ومجتمعاً بتهيئة كل السبل لاستيعاب هذه الأعداد وبما يمكنهم من التحصيل العلمي.. ومن ثم توفير فرص العمل لهم، وتبني الخطط والدراسات والمشاريع التي تكفل مشاركتهم الفعالة في مسيرة البناء والتنمية، ونؤكد هنا على ضرورة الاهتمام بالتوسع في مجال التعليم الفني تلبية لاحتياجات التنمية من الكوادر الفنية المؤهلة.. لذلك فإننا ندعو رأس المال الوطني أن يوجه استثماراته للأعمال المنتجة والكفيلة بخلق فرص عمل جديدة تستوعب الطاقات المعطلة في المجتمع..
ونكرر الترحيب بالرأس المال العربي والأجنبي للاستثمار في بلادنا طبقاً لقوانين والتشريعات التي تكفل للمستثمر كافة الضمانات والتسهيلات في الوقت الذي نحث فيه الحكومة على تقديم المزيد من الرعاية للمستثمرين وتوجيه استثماراتهم نحو المجالات والمشاريع الإنتاجية التي تحقق الفائدة المشتركة.. كما نؤكد على ضرورة الإسراع بإنجاز مشروع المنطقة الحرة في العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن، ونهيب بكافة القوى السياسية أن تعطي الجانب الاقتصادي والتنموي الجزء الأكبر من اهتمامها وأن تنتقل من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل..
الإخوة المواطنون الأحرار:
إذا كان نجاح الانتخابات هو الملمح البارز في المسار الديمقراطي الذي ارتضاه شعبنا خياراً وطنياً لا رجعة عنه يقوم على أساس الحرية والرأي والرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان.. فإنه يأتي تعزيزاً للنجاحات التي تحققت في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. ومنها ما تحقق في مجال النفط والغاز الطبيعي والثروة المعدنية الأخرى، فالاكتشافات النفطية والغازية التي بدأت في عام 1987 م باحتياطي متواضع في محافظة مأرب، كانت أحد العوامل المساعدة التي من الله بها على شعبنا لتجاوز الكثير من المعضلات الاقتصادية والاجتماعية وعلى وجه الخصوص أثناء وبعد حرب الخليج التي سببت أضراراً فادحة في الاقتصاد الوطني، وقد تواصلت أعمال الاستكشافات والتنظيم خلال الفترة الماضية وزاد رصيد بلادنا هذا العام بانضمام حقل المسيلة بمحافظة حضرموت والذي أصبح ينتج 125 ألف برميل يوميا قابل للزيادة في المستقبل بإذن الله، بالإضافة إلى اكتشافات جديدة في مناطق أخرى، وقد بلغ حجم المخزون في الحقول المكتشفة في القطاع رقم 5 بمنطقة جنة بمحافظة شبوة (347 مليون برميل) كما بلغ حجم المخزون في القطاع رقم (10) شرق شبوة (185 مليون برميل) وتتواصل أعمال الحفر والتنقيب من قبل الشركات التي يصل عددها حوالي ثلاثين شركة عاملة في مجال التنقيب في عدد من مناطق الامتياز الممنوحة لها في بلادنا.. وطبقاً للبرامج المعدة لذلك.. وبالنسبة للغاز فقد بلغ حجم المخزون المكتشف في حوض مأرب (15 ترليون) قدم مكعب وقد تم إنجاز العديد من المشاريع لاستغلال الغاز حيث أصبح ينتج حالياً ما يغطي الإستهلاك المحلي، كما يجري الآن الإعداد لتنفيذ مشروع الغاز الطبيعي السائل والذي ستبلغ تكلفته الاستثمارية مليارين ونصف المليار دولار، ويهدف إلى إنتاج خمسة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي للتصدير الخارجي بالإضافة إلى إنتاج مليون طن من الغاز السائل للبترول لتوليد الطاقة الكهربائية في عموم الجمهورية وتشغيل المصانع وتغطية احتياجات الزراعة من الطاقة، وتقدر العائدات المتوقعة من مشروع إنتاج وتصدير الغاز مبلغ ثلاثة وثلاثين مليار دولار خلال الثلاثين السنة القادمة، إلا أننا ندرك أنه مهما بلغ إنتاج النفط والغاز فإنه لن يكون بمقدوره وحده الوفاء بمتطلبات التنمية واحتياجات الشعب المتزايدة وحل المشكلة الاقتصادية في بلادنا.. بل ينبغي على الحكومة البحث المستمر عن زيادة الموارد تعزيزاً لإمكانياتنا.. وانطلاقاً من ذلك فإننا نؤكد بأن عائدات هذه الثروة النفطية الواعدة بالخير يجب أن توظف في ما يعود بالرخاء والتقدم لشعبنا، وفي التوسع في المجال الزراعي الذي يعتبر أساس التنمية الوطنية الشاملة.. ونوجه اليوم الدعوة لحكومة الإئتلاف والأحزاب والمنظمات الجماهيرية والهيئات والمجمعيات التعاونية والزراعية ورجال الأعمال وكل القادرين من أبناء شعبنا وتبني المشاريع الزراعية والاهتمام بالإنتاج الزراعي ومجالات التسويق على الصعيد الوطني والخارجي، وعلى الحكومة التوسع في بناء السدود والحواجز المائية وتبني المبادرات الشعبية والاستفادة من المعونات الدولية لإنجاز مثل هذه المشاريع الحيوية الهامة في مختلف مناطق الجمهورية، كما أن على الحكومة وكافة الجهات المختصة الاهتمام بالسياحة وتطوير مرافقها ووضع السياسات الفاعلة التي تكفل الاستفادة القصوى منها كمصدر هام للإيرادات وزيادة الدخل القومي وبما لا يخل بعقيدتنا الإسلامية وتقاليد شعبنا الأصيلة وقيمه وأخلاقه النبيلة.
وإننا ندعو كافة أبناء شعبنا ومؤسسات الدولة المختلفة وكافة أفراد القوات المسلحة والأمن وكل المواطنين الشرفاء للاهتمام بالآثار والمخطوطات التاريخية في بلادنا وحمايتها من العبث والتهريب، لأنها كنوز هامة وثروة غالية وشواهد حية تجسد عظمة الحضارة اليمنية وإبداعات العقل اليمني على مر العصور.. وإننا لعلى ثقة من اضطلاع حكومة الائتلاف بتلك المهام الملحة وإعطائها الأولوية في واقع التنفيذ، باعتبار أن إنجاز تلك المهام ومعالجة الهم التنموي، والارتقاء بمستوى حياة المواطنين، وتحسين أحوالهم المعيشية، وتصحيح الأوضاع المالية والإدارية.. يمثل المحك الحقيقي لاختبار إرادة التصميم لدى حكومة الائتلاف وعلى نجاحها واقتدارها في تجسيد تطلعات جماهير الشعب التي تنتظر معالجة همومها وقضاياها وحل مشاكلها.. وعلى وجه الخصوص في المجال الاقتصادي والتنموي.
الأخوة المواطنون الأحرار :
إن احترام المصالح المشتركة والاعتراف بها أساس تعاملنا مع الآخرين أشقاء وأصدقاء وعلى هذه القاعدة تنطلق سياستنا الخارجية وعلاقتنا مع الجميع، وسنظل نتعامل من خلال هذا المنظور القائم على أساس احترام خياراتنا وتقدير مصالحنا مثلما نحن نحترم خيارات الآخرين ونقدر مصالحهم.. ومع أسفنا للحالة التي وصل إليها الوضع العربي في السنوات الأخيرة، فإننا في الجمهورية اليمنية قد بذلنا جهوداً وسنظل نبذلها من أجل استعادة التضامن العربي وسنواصل دعمنا للقضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مؤكدين وقوفنا الثابت مع الشعب العربي الفلسطيني.. ودعمنا المبدئي لما يرتضيه لنفسه لحل قضيته العادلة، ومن هذا المنطلق فإننا مع كل الجهود الهادفة إلى تحقيق السلام الدائم والعادل، وبما يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة، كما نكرر الدعوة لرفع الحصار الاقتصادي على شعبنا العربي في العراق وليبيا، ونهيب بالمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته الإنسانية إزاء ما يعانيه المسلمون في البوسنة والهرسك فيما يتعرضون له من حملات إبادة وتطهير عرقي على أيدي القوات الصربية والكرواتية.. وإننا سنظل نمد أيدينا لكافة الأشقاء والأصدقاء للتعاون من أجل أن يسود السلام والاطمئنان كل أنحاء العالم.
الأخوة المواطنون الأحرار:
أكرر التهنئة لكم وأتقدم بها من خلالكم إلى كل الجنود والصف والضباط في القوات المسلحة والأمن حماة الثورة ومكتسباتها الوطنية الغالية.. والذين هم قوة الوطن وأداة حماية السيادة والاستقلال وتأكيد الأمن والاستقرار، فهم رمز الوحدة الوطنية وحزب الشعب وجيش الوطن ودرع الثورة، ونؤكد هنا بأننا سنظل نعطي هذه المؤسسة الوطنية الباسلة كل الاهتمام والرعاية تجسيداً لأهداف الثورة اليمنية وانسجاماً مع الدور الوطني الهام الذي تقوم به في مسيرة الوطن وحياة الشعب.. وبهذه المناسبة نعبر عن ارتياحنا وتقديرنا لما تقوم به الأجهزة الأمنية من جهود مخلصة للاضطلاع بمهامها وواجباتها في مكافحة الجريمة.. وتعزيز جوانب الأمن والاستقرار والطمأنينة في مجتمعنا.. كما نحث الأخوة المواطنين على المزيد من التعاون الفعال مع أجهزة الأمن باعتبار أن أمن الوطن مسؤولية جميع أبنائه كما نحث النيابة العامة وجهاز القضاء على التعاون مع الأجهزة الأمنية واستكمال الدور الذي تقوم به، وذلك من خلال الإسراع في البت في القضايا وعدم التطويل في حل المنازعات بين المواطنين..
وفي الختام نبتهل إلى الله العلي القدير أن يتغمد كل شهداء الثورة اليمنية بواسع رحمته وغفرانه وأن يوفقنا جميعا إلى ما فيه الخير والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.