رئيس مجلس الرئاسة في خطا به بمناسبة العيد السادس والعشرين لعيد الاستقلال وجلاء المستعمر عن الجزء الجنوبي من الوطن30
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أيها الأخوة المواطنون الأحرار:
يا أبناء شعبنا اليمني الأبي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسعدني مع حلول العيد السادس والعشرين لعيد الاستقلال وجلاء المستعمرين عن الجزء الجنوبي العزيز من وطننا الحبيب في الثلاثين من شهر نوفمبر سنة 1967م أن أتقدم إليكم بأصدق التهاني القلبية باسمي وباسم الأخوة أعضاء مجلس الرئاسة بهذه المناسبة الوطنية العزيزة على قلوبنا جميعاً ويتعين علينا ونحن نحتفل بهذا العيد أن نتذكر بالعرفان والتقدير قوافل الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم طاهرة على درب الثورة والنضال ورووا بدمائهم الذكية شجرة الحرية والانتصار وأن نحيي جموع المناضلين الشجعان الذين بذلوا أسخى التضحيات وتجشموا شتى ضروب المعاناة وأبلوا في مراحل الكفاح خير بلاء، فحق على هؤلاء وعلى أولئك قول الله تعالى: ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) صدق الله العظيم.
فبالرغم من عدم التكافؤ في العدة والعتاد، كانت إرادة الكفاح التي تحلت بها جماهير شعبنا العزلاء هي بسلاحها الأمضى من كل سلاح.. وكان إيمانها بربها ووطنها، وتسابقها على الفداء والعطاء وما رافق ذلك من ملاحم بطولية رائعة خطتها بشجاعة واستبسال وبجداول من الدماء هي السبب فيما تحقق من انتصارات مهدت الطريق لصنع ما تم صنعه من منجزات وفي مقدمتها منجز الوحدة العظيم الذي تحقق يوم الثاني والعشرين من شهر مايو سنة 990 ا م بعد أن أرست دعائمه اتفاقية عدن التاريخية في مثل هذه الذكرى منذ أربعة أعوام خلت يوم الثلاثين من نوفمبر سنة 1989م.
فإذا بالحلم الذي راودنا جيلا أثر جيل منذ قرنين ونيف، يصبح حقيقة قائمة بعد أن كان هدفاً بعيد المنال.. فغدا وطننا الذي عانى طويلا من التجزئة والتشطير موحداً.. وحق لنا جميعاً أن نفاخر ونفخر بهذا السبق في استعادة وحدة بلادنا قبل شعوب تفوقنا وتتفوق علينا من حلت التقدم والنهوض والوعي والثراء، وبذلك شاءت إرادة الله أن يلتئم شمل الأسرة اليمنية الممزقة ومع اقتران الوحدة بالديمقراطية والتعددية السياسية انفتح باب الأمل واسعاً أمام شعبنا نحو مستقبل زاهر ويمن جديد.. وانطوت من حياته مصفحة الأحزان والآلام والصراع التي عاشها في ظل الماضي التشطير ومهما كانت الصعاب والتحديات التي برزت خلال الفترة الماضية منذ أن رفرف علم الوحدة خفاقاً فوق كل ربوع الوطن فإن شعبنا عازم ومصمم بإذن الله على مواصلة خطاه لترجمة كل أهدافه وأمانيه في ظل راية الوحدة والديمقراطية، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأن الوحدة وجدت لتبقى وتتجذر في واقع الوطن وحياة الشعب ؛ لأنها حلمه وهدفه الاستراتيجي العظيم والتتويج الصادق لنضاله الطويل وتضحياته الغالية.
فالوحدة عمل عظيم وإنجاز وطني تاريخي يعتز به كل أبناء الشعب اليمني ولن يفرطوا به أبداً وهو مشروع للتقدم وصياغة وطنية بديعة ليمن جديد ودولة حديثة ترتكز أسسها ومقومات وجودها على مبادئ العدالة والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتقدم الاجتماعي والنهوض الحضاري الشامل.
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء:
إن معنى الاستقلال لا يتصل فحسب بعظمة الثورة الشعبية التحررية التي صنعت انتصاره وإنما يأخذ قيمته الوطنية الغالية والمقدسة التي لا تقدر بأي ثمن كان في ملحمة حرب التحرير التي أسهم بها شعبنا في دحر الهيمنة الاستعمارية على مقدراته.. وأن هذا المعنى الحافل بالدلالات العظيمة والحية.. إنما يضع أمامنا وجها لوجه في كل وقت وأوان جسامة مسؤولية الحفاظ على نصر الاستقلال الذي لا يعني مجرد إنجاز الهدف السياسي وإنما يعني في صلب معركة الحياة الانتصار للتقدم وللإنتاجية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والمضمون الحضاري لوطن 22 من مايو في الزمن الوحدوي الديمقراطي الذي وثب شعبنا إليه لتحقيق تطلعاته في الاعتماد على الذات وعلى استثمار أعظم ثروات الحياة وهي الإنسان وتجسيد قدراته في إبداع الصورة الممولة للحياة الأفضل في بلادنا. ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية الغالية كتعبير عن أمل صادق ومتوقد فيما يجب أن نعمله في الحاضر والمستقبل وأن يكون عملنا متفرداً ولائقاً بعظمة المنجزات والإنتصارات التي حققها شعبنا وصارت تتربع على هامة تاريخه المشرق والوضاء وأياً كانت التحديات والصعاب ؛ فإن وطن الوحدة والحرية والديمقراطية والتنمية سيظل وطناً منتصراً لحقيقة امتلاك الشعب لإرادته الحرة ووجوده الأصيل والواثق والمستقبل الذي يتعزز فيه خياره لممارسة حياته بروح الإبداع والعمل والعطاء والإنتاجية وعبر التمسك بالنهج الديمقراطي الذي اقترن بالوحدة ومثل رديفاً وحصانة لها وخياراً حضارياً لبناء وصنع التقدم للوطن إنطلاقاً من أن الديمقراطية التعددية إنما هي تفجير لطاقات الإبداع والعطاء على قاعدة احترام الرأي والرأي الآخر والتنافس الشريف المسؤول من خلال البرامج بين كل القوى والفعاليات السياسية الوطنية وصولا إلى الأفضل واعتماد الحوار وسيلة مثلى لحل كافة القضايا والإشكاليات والتباينات التي قد يفرضها واقع الممارسة الديمقراطية، وهو أمن طبيعي ولانبغى الخوف منه لأنه حصانة للدولة والمجتمع معا من كل الأخطار في الوقت الذي ينبغي أن يكون العمل المخلص في كل الميادين هو العنوان البارز للوطنية الصحيحة والمواطنة الصالحة واثقين من أن الجميع في الوطن يدركون بوعي بأن تشويه الديمقراطية وحرية التعبير بالممارسات الخاطئة وغير المسؤولة التي تعتدي على المصالح العليا للشعب والوطن إنما يفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي ومحتواها الحضاري المرتبط بحرية العمل والإبداع والإنتاج وكرامة الوجود وحقيقة ترجمة المثل والقيم والالتزام بتفعيل وحماية حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة والخاصة.. لأنه لا يمكن أن يتأتى استقلال حقيقي لأي مجتمع بدون التزام المسؤولية الوطنية وإعطاء الحرية في ذلك المجتمع قيمتها ووجودها وفى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن أجل ذلك علينا أن نصون ونجدد فعلا أعيادنا الوطنية ونصون الاستقلال بمزيد من العمل والعطاء والانتصار لواجبات الحرية وحقوق الوطن في كل الميادين والاعتراف بعظمة عطاء وصبر وحكمة الشعب اليمني والامتثال لإرادته التي انتصرت للشرعية الدستورية يوم أل 27 من أبريل 1993م عبر صناديق الاقتراع الحر والمباشر وأقامت مؤسساتها الشرعية التي ينبغي احترامها في الوقت الذي ينبغي على تلك المؤسسات أن تتحمل مسئوليتها الوطنية والتاريخية المنوطة بها بكل شجاعة واقتدار، وفاء لثقة الشعب وانتصاراً لإرادته وللمصلحة العليا للوطن.
أيها الأخوة المواطنون الأحرار:
لقد مر وطننا اليمني منذ إعادة تحقيق وحدته قبل أكثر من ثلاثة أعوام ونصف بتحديات صعبة خاصة في الجانب الاقتصادي بعضها بفعل ظروف ومتغيرات دولية أبرزها تلك الانعكاسات السلبية لأزمة الخليج وعودة أكثر من مليون ومائتي ألف مغترب وبعضها جاء نتيجة مخططات معادية للوحدة والديمقراطية واقتصادنا الوطني بالإضافة إلى تلك التشوهات التي لحقت بواقع الممارسة السياسية والديمقراطية نتيجة المماحكات والمكايدات السياسية بين الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة الوطنية، الأمر الذي أضاف تعقيدات جديدة على الوضع الاقتصادي وعرقلة الكثير من جهود البناء التنموي وتنفيذ المشاريع والخطط الإنمائية والخدمية واستكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة وانعكس كل ذلك بصورة مباشرة وسلبية على الأحوال المعيشية للمواطنين الذين يعانون اليوم من ارتفاع الأسعار.
وإنها لمناسبة نحث فيها حكومة الائتلاف وكافة مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة على نبذ مظاهر الاتكالية والسلبية والبيروقراطية الإدارية التي سادت خلال الفترة الماضية وأن تبدأ مرحلة جديدة في عملها والنهوض بمسؤولياتها وواجباتها والتفرغ الجاد لمهام البناء التنموي والإداري ومعالجة قضايا المواطنين ومشاكلهم وبالذات في الجانب المعيشي ووضع حد لكافة الاختلالات الأمنية.. وتقديم المجرمين والخارجين على القانون أيا كانوا إلى أجهزة العدالة لينالوا جزاءهم العادل وندعو الاخوة المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية وبما يقطع دابر الجريمة ويعزز مسيرة الأمن والاستقرار في الوطن كما ندعو كافة القوى والفعاليات السياسية إلى العمل بروح وطنية بعيدة عن مؤثرات الانتماء الحزبي أو المماحكات السياسية وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل المصالح والاعتبارات..
وإننا في مجلس الرئاسة نؤكد حرصنا وعزمنا الأكيد على تقديم كل الدعم لحكومة الائتلاف من أجل التغلب على المصاعب الاقتصادية وتجاوز كل المعوقات التي عطلت وتعطل مسيرة التغيير والتحول الكامل نحو الأفضل وتعوق التوجهات الوطنية الجادة والصادقة نحو تحقيق الغايات المثلى لشعبنا في البناء الوطني والإصلاح الشامل ونتق بما تم التوصل إليه عبر الخيار الوطني المسؤول لانطلاقة جديدة تصون نصر الشرعية الدستورية وتكفل فعالية العطاء لسنوات قادمة يكون العمل فيها شاهدا للائتلاف الحكومي والتنسيق البرلماني على الوفاء بما تعهدوا به في البرامج الانتخابية التي خاضوا بها معترك الانتخابات الديمقراطية يوم 27 من أبريل 1993م والتقيد الدقيق والمسؤول لكل ما تم الاتفاق عليه والالتزام به في معالجة الوضع الاقتصادي للبلد.
إننا بشعبنا الأبي الوفي والعظيم لقادرين على ذلك بإذن الله وتوفيقه وعلى كافة الأصعدة الداخلية والخارجية في البناء الوطني وفي تطوير وتعزيز علاقات التعاون التي تربطنا بالأشقاء والأصدقاء وبكل المؤسسات الإقليمية والقومية والدولية ذلك أن طموحاتنا وآمالنا لا تتوقف عند همنا الوطني على امتداد جغرافية الوطن ولكنها بإيماننا وبحقيقة وجودنا القومي والإنساني مرتبطة بالهموم العظيمة لاُمتنا العربية والإسلامية والإنسانية من حولنا.
وفي هذا الإطار فإننا نتطلع إلى مرحلة جديدة تعود فيها الثقة من جديد بين كافة الأقطار العربية وتقوم جسور المصالحة القومية والتضامن العربي، على أسس واضحة ودقيقة نابعة من عمق الأواصر المصيرية التي تربط بين كافة أبناء الأمة وتدفع إلى تطوير علاقاتها وترتيب أمور البيت العربي بما يؤهله إلى أن يكون قادراً على مواجهة التحديات التي يفرضها عليه تاريخ جديد متغير ينبغي علينا التعامل معه بروح جديدة وموقف موحد مستفيدين أولاً من كل الدروس والمآسي والأحزان والحسنات والكبوات وأن نعترف بالواقع الجديد لننتصر على الأقل لمعنى الفضيلة التي تبتدئ بنقطة الاعتراف بالحق والتمسك بالرشد والابتعاد عن سوء الظن والتمسك بالأمل وبالمثل والقيم العظيمة والنبيلة لأُمتنا وللإنسانية ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أعبر عن بالغ الشكر والتقدير لكل الأشقاء والأصدقاء الذين جسدوا بمواقفهم المؤيدة لمسيرة شعبنا اليمني في ظل الوحدة والديمقراطية عن عمق وحميمة العلاقات التي تربط بلادنا وشعبنا بهم مؤمنين من جانبنا الحرص على الدفع بتلك العلاقات إلى آفاق أوسع من التطور والتعاون المثمر على قاعدة الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء:
أكرر التهنئة القلبية الخالصة لكم ومن خلالكم لكل الضباط والصف والجنود في القوات المسلحة والأمن أولئك الرجال الأوفياء الذين أثبتوا بالفعل ولاءهم لله والوطن والثورة، وأنهم في المستوى العظيم والسامي للمسؤولية الوطنية حراساً أمناء لمكاسب الثورة والجمهورية حماة الوحدة والديمقراطية والسيادة والشرعية الدستورية وجنودا مخلصين للتنمية والأمن والاستقرار والتقدم.
المجد لشهداء الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر ولصناع كل الانتصارات الوطنية.